قيل إذا لم يوثق باليهود والنصارى فكيف يجوز أن يأمرهم بأن يسألوهم عن الرسل قلنا إذا تواتر خبرهم وبلغ حد الضرورة جاز ذلك كما قد يعمل بخبر الكفار إذا تواتر مثل ما يعمل بخبر المؤمنين ومن الناس من قال المراد بأهل الذكر أهل القرآن وهو بعيد لأنهم كانوا طاعنين في القرآن وفي الرسول ( ﷺ ) فأما تعلق كثير من الفقهاء بهذه الآية في أن للعامي أن يرجع إلى فتيا العلماء وفي أن للمجتهد أن يأخذ بقول مجتهد آخر فبعيد لأن هذه الآية خطاب مشافة وهي واردة في هذه الواقعة المخصوصة ومتعلقة باليهود والنصارى على التعيين ثم بين تعالى أنه لم يجعل الرسل قبله جسداً لا يأكلون الطعام وفيه أبحاث
البحث الأول قوله لاَّ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ صفة جسد والمعنى وما جعلنا الأنبياء ذوي جسد غير طاعمين
البحث الثاني وحد الجسد لإرادة الجنس كأنه قال ذوي ضرب من الأجساد
البحث الثالث أنهم كانوا يقولون مَا لِهَاذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى الاْسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ( الفرقان ٧ ) فأجاب الله بقوله وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ فبين تعالى أن هذه عادة الله في الرسل من قبل وأنه لم يجعلهم جسداً لا يأكلون بل جسداً يأكلون الطعام ولا يخلدون في الدنيا بل يموتون كغيرهم ونبه بذلك على أن الذي صاروا به رسلاً غير ذلك وهو ظهور المعجزات على أيديهم وبراءتهم عن الصفات القادحة في التبليغ أما قوله تعالى ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فقال صاحب ( الكشاف ) هو مثل قوله وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً ( الأعراف ١٥٥ ) والأصل في الوعد ومن قومه ومنه صدقوهم المقال وَمَن نَّشَاء هم المؤمنون قال المفسرون المراد منه أنه تقدم وعده جل جلاله بأنه إنما يهلك بعذاب الاستئصال من كذب الرسل دون نفس الرسل ودون من صدق بهم وجعل الوفاء بما وعد صدقاً من حيث يكشف عن الصدق ومعنى وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرفِينَ أي بعذاب الاستئصال وليس المراد عذاب الآخرة لأنه إخبار عما مضى وتقدم ثم بين تعالى بقوله لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ عظيم نعمته عليهم بالقرآن في الدين والدنيا فلذلك قال فيه ذِكْرُكُمْ وفيه ثلاثة أوجه أحدها ذكركم شرفكم وصيتكم كما قال وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ( الزخرف ٤٤ ) وثانيها المراد فيه تذكرة لكم لتحذروا ما لا يحل وترغبوا فيما يجب ويكون المراد بالذكر الوعد والوعيد كما قال وَذَكّرْ فَإِنَّ الذّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ( الذاريات ٥٥ ) وثالثها المراد ذكر دينكم ما يلزم وما لا يلزم لتفوزوا بالجنة إذا تمسكتم به وكل ذلك محتمل وقوله أَفَلاَ تَعْقِلُونَ كالبعث على التدبر في القرآن لأنهم كانوا عقلاء لأن الخوض من لوازم الغفلة والتدبر دافع لذلك الخوض ودفع الضرر عن النفس من لوازم الفعل فمن لم يتدبر فكأنه خرج عن العقل
وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَة ٍ كَانَتْ ظَالِمَة ً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً ءَاخَرِينَ فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ لاَ تَرْكُضُواْ وَارْجِعُوا إِلَى مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُواْ ياوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ


الصفحة التالية
Icon