فكيف يشتغلون باللعن حال اشتغالهم بالتسبيح أجاب كعب الأحبار فقال التسبيح لهم كالتنفس لنا فكما أن اشتغالنا بالتنفس لا يمنعنا من الكلام فكذا اشتغالهم بالتبسيح لا يمنعهم من سائر الأعمال فإن قيل هذا القياس غير صحيح لأن الإشتغال بالتنفس إنما لم يمنع من الكلام لأن آلة التنفس غير آلة الكلام أما التسبيح واللعن فهمنا من جنس الكلام فاجتماعهما محال والجواب أي استبعاد في أن يخلق الله تعالى لهم ألسنة كثيرة ببعضها يسبحون الله وببعضها يلعنون أعداء الله أو يقال معنى قوله لاَ يَفْتُرُونَ أنهم لا يفترون عن العزم على أدائه في أوقاته اللائقة به كما يقال إن إفلانا يواظب على الجماعات لا يفتر عنها لا يراد به أنه أبداً مشتغل بها بل يراد به أنه مواظب على العزم على أدائها في أوقاتها
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَة ً مِّنَ الأرض هُمْ يُنشِرُونَ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَة ٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ أَمِ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءَالِهَة ً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ هَاذَا ذِكْرُ مَن مَّعِى َ وَذِكْرُ مَن قَبْلِى بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ
اعلم أن الكلام من أول السورة إلى ههنا كان في النبوات وما يتصل بها من الكلام سؤالاً وجواباً وأما هذه الآيات فإنها في بيان التوحيد ونفي الأضداد والأنداد
أما قوله تعالى أَمِ اتَّخَذُواْ الِهَة ً مّنَ الاْرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ففيه مسائل
المسألة الأولى قال صاحب ( الكشاف ) أم ههنا هي المنقطعة الكائنة بمعنى بل والهمزة قد أذنت بالإضراب عما قبلها والإنكار لما بعدها والمنكر هو اتخاذهم آلهم من الأرض ينشرون الموتى ولعمري إن من أعظم المنكرات أن ينشر الموتى بعض الموات فإن قلت كيف أنكر عليهم اتخاذ آلهة ينشرون وما كانوا يدعون ذلك لآلهتهم بل كانوا في نهاية البعد عن هذه الدعوى فإنهم كانوا مع إقرارهم بالله وبأنه خالق السموات والأرض منكرين للبعث ويقولون مَن يُحى ِ الْعِظَامَ وَهِى َ رَمِيمٌ فكيف يدعونه للجماد الذي لا يوصف بالقدرة ألبتة قلت لأنهم لما اشتغلوا بعبادتها ولا بد للعبادة من فائدة هي الثواب فإقدامهم على عبادتها يوجب عليهم الإقرار بكونهم قادرين على الحشر والنشر والثواب والعقاب فذكر ذلك على سبيل التهكم بهم والتجهيل يعني إذا كانوا غير قادرين على أن يحيوا ويميتوا ويضروا وينفعوا فأي عقل يجوز اتخاذهم آلهة
المسألة الثانية قوله مّنَ الاْرْضِ كقولك فلان من مكة أو من المدينة تريد مكي أو مدني إذ معنى


الصفحة التالية
Icon