على نكتة خاصة بعبدة الأصنام وهي أنه كيف يجوز للعاقل أن يجعل الجماد الذي لا يعقل ولا يحس شريكاً في الإلهية لخالق العرش العظيم وموجد السموات والأرضين ومدبر الخلائق من النور والظلمة واللوح والقلم والذات والصفات والجماد والنبات وأنواع الحيوانات أجمعين
أما قوله تعالى لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ فاعلم أنه مشتمل على بحثين أحدهما أن الله تعالى لا يسأل عن شيء من أفعاله ولا يقال له لم فعلت والثاني أن الخلائق مسؤولون عن أفعالهم أما البحث الأول ففيه مسألتان
المسألة الأولى وجه تعلق هذه الآية بما قبلها أن عمدة من أثبت لله شريكاً ليست إلا طلب اللمية في أفعال الله تعالى وذلك لأن الثنوية والمجوس وهم الذين أثبتوا الشريك لله تعالى قالوا رأينا في العالم خيراً وشراً ولذة وألماً وحياة وموتاً وصحة وسقماً وغنى وفقراً وفاعل الخير خير وفاعل الشر شرير ويستحيل أن يكون الفاعل الواحد خيراً وشريراً معاً فلا بد من فاعلين ليكون أحدهما فاعلاً للخير والآخر فاعلاً للشر ويرجع حاصل هذه الشبهة إلى أن مدبر العالم لو كان واحداً لما خص هذا بالحياة والصحة والغنى وخص ذلك بالموت والألم والفقر فيرجع حاصله إلى طلب اللمية في أفعال الله تعالى فلما كان مدار أمر القائلين بالشريك على طلب اللمية لا جرم أنه سبحانه وتعالى بعد أن ذكر الدليل على التوحيد ذكر ما هو النكتة الأصلية في الجواب عن شبهة القائلين بالشريك لأن الترتيب الجيد في المناظرة أن يقع الإبتداء بذكر الدليل المثبت للمطلوب ثم يذكر بعده ما هو الجواب عن شبهة الخصم
المسألة الثانية في الدلالة على أنه سبحانه لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ أما أهل السنة فإنهم استدلوا عليه بوجوه أحدها أنه لو كان كل شيء معللاً بعلة لكانت علية تلك العلة معللة بعلة أخرى ويلزم التسلسل فلا بد في قطع التسلسل من الإنتهاء إلى ما يكون غنياً عن العلة وأولى الأشياء بذلك ذات الله تعالى وصفاته وكما أن ذاته منزهة عن الإفتقار إلى المؤثر والعلة وصفاته مبرأة عن الافتقار إلى المبدع والمخصص فكذا فاعليته يجب أن تكون مقدسة عن الإستناد إلى الموجب والمؤثر وثانيها أن فاعليته لو كانت معللة بعلة لكانت تلك العلة إما أن تكون واجبة أو ممكنة فإن كانت واجبة لزم من وجوبها وجوب كونه فاعلاً وحينئذ يكون موجباً بالذات لا فاعلاً بالاختيار وإن كانت ممكنة كانت تلك العلة فعلاً لله تعالى أيضاً فتفتقر فاعليته لتلك العلة إلى علة أخرى ولزم التسلسل وهو محال وثالثها أن علة فاعلية الله تعالى للعالم إن كانت قديمة لزم أن تكون فاعليته للعالم قديمة فيلزم قدم العالم وإن كانت محدثة افتقر إلى علة أخرى ولزم التسلسل ورابعها أن من فعل فعلاً لغرض فإما أن يكون متمكناً من تحصل ذلك الغرض بدون تلك الواسطة أو لا يكون متمكناً منه فإن كان متمكناً منه كان توسط تلك الواسطة عبثاً وإن لم يكن متمكناً منه كان عاجزاً والعجز على الله تعالى محال أما العجز علينا فغير ممتنع فلذلك كانت أفعالنا معللة بالأغراض وكل ذلك في حق الله تعالى محال وخامسها أنه لو كان فعله معللاً بغرض لكان ذلك الغرض إما أن يكون عائداً إلى الله تعالى أو إلى العباد والأول محال لأنه منزه عن النفع والضر وإذا بطل ذلك تعين أن الغرض لا بد وأن يكون عائداً إلى العباد ولا غرض للعباد إلا حصول اللذات وعدم حصول الآلام والله تعالى قادر على تحصيلها ابتداء من غير شيء من الوسائط وإذا كان كذلك استحال أن يفعل شيئاً لأجل


الصفحة التالية
Icon