أما قوله تعالى أَمْ لَهُمْ الِهَة ٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ فاعلم أن الميم صلة يعني ألهم آلهة تكلؤهم من دوننا والتقدير ألهم آلهة من تمنعهم وتم الكلام ثم وصف آلهتهم بالضعف فقال لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وهذا خبر مبتدأ محذوف أي فهذه الآلهة لا تستطيع حماية أنفسها عن الآفات وحماية النفس أولى من حماية الغير فإذا لم تقدر على حماية نفسها فكيف تقدر على حماية غيرها وفي قوله وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ قولان الأول قال المازني أصحبت الرجل إذا منعته فقوله وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ من ذلك لا من الصحبة الثاني أن الصحبة ههنا بمعنى النصرة والمعونة وكلها سواء في المعنى يقال صحبك الله ونصرك الله ويقال للمسافر في صحبة الله وفي حفظ الله فالمعنى ولا هم منا في نصرة ولا إعانة والحاصل أن من لا يكون قادراً على دفع الآفات ولا يكون مصحوباً من الله بالإعانة كيف يقدر على شيء ثم بين سبحانه تفضله عليهم مع كل ذلك بقوله بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاء وَءابَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ يعني ما حملهم على الإعراض إلا الإغترار بطول المهلة يعني طالت أعمارهم في الغفلة فنسوا عهدنا وجهلوا موقع مواقع نعمتنا واغتروا بذلك
أما قوله تعالى أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الاْرْضَ نَنقُصُهَا فالمعنى أفلا يرى هؤلاء المشركون بالله المستعجلون بالعذاب آثار قدرتنا في إتيان الأرض من جوانبها نأخذ الواحد بعد الواحد ونفتح البلاد والقرى مما حول مكة ونزيدها في ملك محمد ( ﷺ ) ونميت رؤساء المشركين الممتعين بالدنيا وننقص من الشرك بإهلاك أهلم أما كان لهم في ذلك عبرة فيؤمنوا برسول الله ( ﷺ ) ويعلموا أنهم لا يقدرون على الامتناع من الله وإرادته فيهم ولا يقدرون على مغالبته ثم قال أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ أي فهؤلاء هم الغالبون أم نحن وهو استفهام بمعنى التقرير والتقريع والمعنى بل نحن الغالبون وهم المغلوبون وقد مضى الكلام في هذه الآية في سورة الرعد وفي تفسير النقصان وجوه أحدها قال ابن عباس ومقاتل والكلبي رضي الله عنهم ننقصها بفتح البلدان وثانيها قال ابن عباس في رواية أخرى يريد نقصان أهلها وبركتها وثالثها قال عكرمة تخريب القرى عند موت أهلها ورابعها بموت العلماء وهذه الرواية إن صحت عن رسول الله ( ﷺ ) فلا يعدل عنها وإلا فالأظهر من الأقاويل ما يتعلق بالغلبة فلذلك قال أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ والذي يليق بذلك أنه ينقصها عنهم ويزيدها في بلاد الإسلام قال القفال نزلت هذه الآية في كفار مكة فكيف يدخل فيها العلماء والفقهاء فبين تعالى أن كل ذلك من العبر التي لو استعملوا عقلهم فيها لأعرضوا عن جهلهم
قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِالْوَحْى ِ وَلاَ يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَة ٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ ياويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَة ِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّة ٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ


الصفحة التالية
Icon