فلعلهم كانوا يعتقدون فيها أنها تجيب وتتكلم والثاني أنه عليه السلام قال ذلك مع علمه أنهم لا يرجعون إليه استهزاء بهم وإن قياس حال من يسجد له ويؤهل للعبادة أن يرجع إليه في حل المشكلات
المسألة الرابعة إن قيل أولئك الأقوام إما أن يقال إنهم كانوا عقلاء أو ما كانوا عقلاء فإن كانوا عقلاء وجب أن يكونوا عالمين بالضرورة أن تلك الأصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر فأي حاجة في إثبات ذلك إلى كسرها أقصى ما في الباب أن يقال القوم كانوا يعظمونها كما يعظم الواحد منا المصحف والمسجد والمحراب وكسرها لا يقدح في كونها معظمة من هذا الوجه وإن قلنا إنهم ما كانوا عقلاء وجب أن لا تحسن المناظرة معهم ولا بعثة الرسل إليهم الجواب أنهم كانوا عقلاء وكانوا عالمين بالضرورة أنها جمادات ولكن لعلهم كانوا يعتقدون فيها أنها تماثيل الكواكب وأنها طلسمات موضوعة بحيث أن كل من عبدها انتفع بها وكل من استخف بها ناله منها ضرر شديد ثم إن إبراهيم عليه السلام كسرها مع أنه ما ناله منها ألبتة ضرر فكان فعله دالاً على فساد مذهبهم من هذا الوجه
أما قوله تعالى قَالُواْ مَن فَعَلَ هَاذَا بِئَالِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ أي ( أن ) من فعل هذا الكسر والحطم لشديد الظلم معدود في الظلمة إما لجراءته على الآلهة الحقيقة بالتوقير والإعظام وإما لأنهم رأوا إفراطاً في كسرها وتمادياً في الاستهانة بها
أما قوله تعالى قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْراهِيمُ ففيه مسألتان
المسألة الأولى قال الزجاج ارتفع إبراهيم على وجهين أحدهما على معنى يقال هو إبراهيم والثاني على النداء على معنى يقال له يا إبراهيم قال صاحب ( الكشاف ) والصحيح أنه فاعل يقال لأن المراد الاسم دون المسمى
المسألة الثانية ظاهر الآية يدل على أن القائلين جماعة لا واحد فكأنهم كانوا من قبل قد عرفوا منه وسمعوا ما يقوله في آلهتهم فغلب على قلوبهم أنه الفاعل ولو لم يكن إلا قوله ما هذه التماثيل إلى غير ذلك لكفى
قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ قَالُوا ءَأَنْتَ فَعَلْتَ هَاذَا بِأالِهَتِنَا ياإِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَاذَا فَاسْألُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَاؤُلا ءِ يَنطِقُونَ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ


الصفحة التالية
Icon