أما قوله تعالى قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ أُفّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ فالمعنى ظاهر قال صاحب ( الكشاف ) أف صوت إذا صوت به علم أن صاحبه متضجر وإن إبراهيم عليه السلام أضجره ما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد انقطاع عذرهم وبعد وضوح الحق وزهوق الباطل فتأفف بهم ثم يحتمل أنه قال لهم ذلك وقد عرفوا صحة قوله ويحتمل أنه قال لهم ذلك وقد ظهرت الحجة وإن لم يعقلوا وهذا هو الأقرب لقوله أَفَتَعْبُدُونَ ولقوله أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا ءَالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يانَارُ كُونِى بَرْداً وَسَلَامَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الاٌّ خْسَرِينَ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأرض الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ
اعلم أنه تعالى لما بين ما أظهره إبراهيم عليه السلام من دلائل التوحيد وإبطال ما كانوا عليه من عبادة التماثيل أتبعه بما يدل على جهلهم وأنهم قَالُواْ حَرّقُوهُ وَانصُرُواْ ءالِهَتَكُمْ وههنا مسائل
المسألة الأولى ليس في القرآن من القائل لذلك والمشهور أنه نمروذ بن كنعان بن سنجاريب بن نمروذ بن كوش بن حام بن نوح وقال مجاهد سمعت ابن عمر يقول إنما أشار بتحريق إبراهيم عليه السلام رجل من الكرد من أعراب فارس وروى ابن جريج عن وهب عن شعيب الجبائي قال إن الذي قال حرقوه رجل اسمه هبرين فخسف الله تعالى به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة
المسألة الثانية أما كيفية القصة فقال مقاتل لما اجتمع نمروذ وقومه لإحراق إبراهيم حبسوه في بيت وبنوا بنياناً كالحظيرة وذلك قوله قَالُواْ ابْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِى الْجَحِيمِ ( الصافات ٩٧ ) ثم جمعوا له الحطب الكثير حتى أن المرأة لو مرضت قالت إن عافاني الله لأجعلن حطباً لإبراهيم ونقلوا له الحطب على الدواب أربعين يوماً فلما اشتعلت النار اشتدت وصار الهواء بحيث لو مر الطير في أقصى الهواء لاحترق ثم أخذوا إبراهيم عليه السلام ورفعوه على رأس البنيان وقيدوه ثم اتخذوا منجنيقاً ووضعوه فيه مقيداً مغلولاً فصاحت السماء والأرض ومن فيها من الملائكة إلا الثقلين صيحة واحدة أي ربنا ليس في أرضك أحد يعبدك غير إبراهيم وإنه يحرق فيك فأذن لنا في نصرته فقال سبحانه إن استغاث بأحد منكم فأغيثوه وإن لم يدع غيري فأنا أعلم به وأنا وليه فخلوا بيني وبينه فلما أرادوا إلقاءه في النار أتاه خازن الرياح فقال إن شئت طيرت النار في الهواء فقال إبراهيم عليه السلام لا حاجة بي إليكم ثم رفع رأسه إلى السماء وقال ( اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ليس في الأرض أحد يعبدك غيري أنت حسبنا ونعم الوكيل ) وقيل إنه حين ألقي في النار قال ( لا إله إلا أنت سبحانك ربك العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ) ثم وضعوه في المنجنيق ورموا به النار فأتاه جبريل عليه السلام وقال يا إبراهيم هل لك حاجة قال أما إليك فلا قال فاسأل ربك قال حسبي من سؤالي علمه


الصفحة التالية
Icon