المسألة الثانية في أصناف النعم وهي أربعة وجوه أحدها الحكم أي الحكمة وعي التي يجب فعلها أو الفصل بين الخصوم وقيل هي النبوة وثانيها العلم واعلم أن إدخال التنوين عليهما يدل على علو شأن ذلك العلم وذلك الحكم وثالثها قوله وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَة ِ الَّتِى كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ والمراد أهل القرية لأنهم هم الذين يعملون الخبائث دون نفس القرية ولأن الهلاك بهم نزل فنجاه الله تعالى من ذلك ثم بين سبحانه وتعالى بقوله إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْء فَاسِقِينَ ما أراده بالخبائث وأمرهم فيما كانوا يقدمون عليه ظاهر ورابعها قوله وَأَدْخَلْنَاهُ فِى رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ وفي تفسير الرحمة قولان الأول أنه النبوة أي أنه لما كان صالحاً للنبوة أدخله الله في رحمته لكي يقوم بحقها عن مقاتل الثاني أنه الثواب عن ابن عباس والضحاك ويحتمل أن يقال إنه عليه السلام لما آتاه الله الحكم والعلم وتخلص عن جلساء السوء فتحت عليه أبواب المكاشفات وتجلت له أنوار الإلهية وهي بحر لا ساحل له وهي الرحمة في الحقيقة
( القصة الرابعة قصة نوح عليه السلام )
وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِأايَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ
أما قوله تعالى إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ ففيه مسألتان
المسألة الأولى لا شبهة في أن المراد من هذا النداء دعاؤه على قومه بالعذاب ويؤكده حكاية الله تعالى عنه ذلك تارة على الإجمال وهو قوله فَدَعَا رَبَّهُ أَنّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ( القمر ١٠ ) وتارة على التفصيل وهو قوله وَقَالَ نُوحٌ رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الاْرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً ( نوح ٢٦ ) ويدل عليه أيضاً أن الله تعالى أجابه بقوله فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وهذا الجواب يدل على أن الإنجاء المذكور فيه كان هو المطلوب في السؤال فدل هذا على أن نداءه ودعاءه كان بأن ينجيه مما يلحقه من جهتهم من ضروب الأذى بالتكذيب والرد عليه وبأن ينصره عليهم وأن يهلكهم فلذلك قال بعده وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا
المسألة الثانية أجمع المحققون على أن ذلك النداء كان بأمر الله تعالى لأنه لو لم يكن بأمره لم يؤمن أن يكون الصلاح أن لايجاب إليه فيصير ذلك سبباً لنقصان حال الأنبياء ولأن الإقدام على أمثال هذه المطالب لو لم يكن بالأمر لكان ذلك مبالغة في الإضرار وقال آخرون إنه عليه السلام لم يكن مأذوناً له في ذلك وقال أبو أمامة لم يتحسر أحد من خلق الله تعالى كحسرة آدم ونوح فحسرة آدم على قبول وسوسة إبليس وحسرة نوح على دعائه على قومه فأوحى الله تعالى إليه أن لا تتحسر فإن دعوتك وافقت قدري
أما قوله تعالى فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ فالمراد بالأهل ههنا أهل دينه وفي تفسير الكرب وجوه أحدها أنه العذاب النازل بالكفار وهو الغرق وهو قول أكثر المفسرين وثانيها أنه تكذيب قومه إياه


الصفحة التالية
Icon