المسألة الثانية عشرة في طوى وجوه الأول أنه اسم للوادي وهو قول عكرمة وابن زيد والثاني معناه مرتين نحو مثنى أي قدس الوادي مرتين أو نودي موسى عليه السلام نداءين يقال ناديته طوى أي مثنى والثالث طوى أي طياً قال ابن عباس رضي الله عنهما إنه مر بذلك الوادي ليلاً فطواه فكان المعنى بالوادي المقدس الذي طويته طياً أي قطعته حتى ارتفعت إلى أعلاه ومن ذهب إلى هذا قال طوى مصدر خرج عن لفظه كأنه قال طويته طوى كما يقال هدى يهدي هدي والله أعلم
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لا إله إِلا أَنَاْ فَاعْبُدْنِى وَأَقِمِ الصَّلَواة َ لِذِكْرِى
قرأ حمزة ( وإنا اخترناك ) وقرأ أبي بن كعب ( وإني اخترتك ) ههنا مسائل
المسألة الأولى معناه اخترتك للرسالة وللكلام الذي خصصتك به وهذه الآية تدل على أن النبوة لا تحصل بالاستحقاق لأن قوله وَأَنَا اخْتَرْتُكَ يدل على أن ذلك المنصب العلي إنما حصل لأن الله تعالى اختاره له ابتداء لا أنه استحقه على الله تعالى
المسألة الثانية قوله فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى فيه نهاية الهيبة والجلالة فكأنه قال لقد جاءك أمر عظيم هائل فتأهب له واجعل كل عقلك وخاطرك مصروفاً إليه فقوله وَأَنَا اخْتَرْتُكَ يفيد نهاية اللطف والرحمة وقوله فَاسْتَمِعْ يفيد نهاية الهيبة فيحصل له من الأول نهاية الرجاء ومن الثاني نهاية الخوف
المسألة الثالثة قوله إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لا إله إِلا أَنَاْ فَاعْبُدْنِى يدل على أن علم الأصول مقدم على علم الفروع لأن التوحيد في علم الأصول والعبادة من علم الفروع وأيضاً الفاء في قوله فَاعْبُدْنِى تدل على أن عبادته إنما لزمت لإلهيته وهذا هو تحقيق العلماء أن الله هو المستحق للعبادة
المسألة الرابعة أنه سبحانه بعد أن أمره بالتوحيد أولاً ثم بالعبادة ثانياً أمره بالصلاة ثالثاً احتج أصحابنا بهذه الآية على أن تأخير البيان عن وقت الحاجة جائز من وجهين الأول أنه أمره بالعبادة ولم يذكر كيفية تلك العبادة فثبت أنه يجوز ورود المجمل منفكاً عن البيان الثاني أنه قال إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ ولم يبين كيفية الصلاة قال القاضي لا يمتنع أن موسى عليه السلام قد عرف الصلاة التي تعبد الله تعالى بها شعيباً عليه السلام وغيره من الأنبياء فصار الخطاب متوجهاً إلى ذلك ويحتمل أنه تعالى بين له في الحال وأن كان المنقول في القرآن لم يذكر فيه إلا هذا القدر والجواب أما العذر الأول فإنه لا يتوجه في قوله تعالى فَاعْبُدْنِى وأيضاً فحمل مثل هذا الخطاب العظيم على فائدة جديدة أولى من حمله على أمر معلوم لأن موسى عليه السلام ما كان يشك في وجوب الصلاة التي جاء بها شعيب عليه السلام فلو حملنا قوله اتْلُ مَا على ذلك لم يحصل من هذا الخطاب العظيم فائدة زائدة أما لو حملناه على صلاة أخرى لحصلت الفائدة الزائدة قوله لعل الله تعالى بينه في ذلك الموضع وإن لم يحكه في القرآن قلنا لا نشك أن البيان أكثر فائدة من المجمل فلو كان مذكوراً لكان أولى بالحكاية


الصفحة التالية
Icon