المسألة الأولى في تفسير هذا التسبيح وجهان أحدهما أن الجبال كانت تسبح ثم ذكروا وجوهاً أحدها قال مقاتل إذا ذكر داود عليه السلام ربه ذكرت الجبال والطير ربها معه وثانيها قال الكلبي إذا سبح داود أجابته الجبال وثالثها قال سليمان بن حيان كان داود عليه السلام إذا وجد فترة أمر الله تعالى الجبال فسبحت فيزداد نشاطاً واشتياقاً القول الثاني وهو اختيار بعض أصحاب المعاني أنه يحتمل أن يكون تسبيح الجبال والطير بمثابة قوله وَإِن مّن شَى ْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ( الإسراء ٤٤ ) وتخصيص داود عليه السلام بذلك إنما كان بسبب أنه عليه السلام كان يعرف ذلك ضرورة فيزداد يقيناً وتعظيماً والقول الأول أقرب لأنه لا ضرورة في صرف اللفظ عن ظاهره وأما المعتزلة فقالوا لو حصل الكلام من الجبل لحصل إما بفعله أو بفعل الله تعالى فيه والأول محال لأن بنية الجبل لا تحتمل الحياة والعلم والقدرة وما لا يكون حياً عالماً قادراً يستحيل منه الفعل والثاني أيضاً محال لأن المتكلم عندهم من كان فاعلاً للكلام لا من كان محلاً للكلام فلو كان فاعل ذلك الكلام هو الله تعالى لكان المتكلم هو الله تعالى لا الجبل فثبت أنه لا يمكن إجراؤه على ظاهره فعند هذا قالوا في وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودُ الْجِبَالَ يُسَبّحْنَ ومثله قوله تعالى فَضْلاً ياجِبَالُ أَوّبِى مَعَهُ ( سبإ ١٠ ) معناه تصرفي معه وسيري بأمره ويسبحن من السبح الذي السباحة خرج اللفظ فيه على التكثير ولو لم يقصد التكثير لقيل يسبحن فلما كثر قيل يسبحن معه أي سيرى وهو كقوله إِنَّ لَكَ فِى النَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً ( المزمل ٧ ) أي تصرفاً ومذهباً إذا ثبت هذا فنقول إن سيرها هو التسبيح لدلالته على قدرة الله تعالى وعلى سائر ما تنزه عنه واعلم أن مدار هذا القول على أن بنية الجبل لا تقبل الحياة وهذا ممنوع وعلى أن التكلم من فعل الله وهو أيضاً ممنوع
المسألة الثانية أما الطير فلا امتناع في أن يصدر عنها الكلام ولكن أجمعت الأمة على أن المكلفين إما الجن أو الإنس أو الملائكة فيمتنع فيها أن تبلغ في العقل إلى درجة التكليف بل تكون على حالة كحال الطفل في أن يؤمر وينهي وإن لم يكن مكلفاً فصار ذلك معجزة من حيث جعلها في الفهم بمنزلة المراهق وأيضاً فيه دلالة على قدرة الله تعالى وعلى تنزهه عما لا يجوز فيكون القول فيه كالقول في الجبال
المسألة الثالثة قال صاحب ( الكشاف ) يسبحن حال بمعنى مسبحات أو استئناف كأن قائلاً قال كيف سخرهن فقال يسبحن والطير إما معطوف على الجبال وإما مفعول معه فإن قلت لم قدمت الجبال على الطير قلت لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأدل على القدرة وأدخل في الإعجاز لأنها جماد والطير حيوان ناطق
أما قوله وَكُنَّا فَاعِلِينَ فالمعنى أنا قادرون على أن نفعل هذا وإن كان عجباً عندكم وقيل نفعل ذلك بالأنبياء عليهم السلام
الإنعام الثالث قوله تعالى وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَة َ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ وفيه مسائل
المسألة الأولى اللبوس اللباس قال ألبس لكل حالة لبوسها
المسألة الثانية لتحصنكم قرىء بالنون والياء والتاء وتخفيف الصاد وتشديدها فالنون لله عز وجل والتاء للصنعة أو للبوس على تأويل الدرع والياء لله تعالى أو لداود أو للبوس


الصفحة التالية
Icon