حيث كذبناه وقلنا إنه غير كائن بل كنا ظالمين أنفسنا بتلك الغفلة وبتكذيب محمد ( ﷺ ) وعبادة الأوثان واعلم أنه لا بد قبل قوله يا ويلنا من حذف والتقدير يقولون يا ويلنا
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَاؤُلا ءِ ءَالِهَة ً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ
اعلم أن قوله إِنَّكُمْ خطاب لمشركي مكة وعبدة الأوثان
أما قوله تعالى وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ روي أنه عليه السلام دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً فجلس إليهم فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله ( ﷺ ) فأفحمه ثم تلا عليهم إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الآية فأقبل عبد الله بن الزبعري فرآهم يتهامسون فقال فيم خوضكم فأخبره الوليد بن المغيرة بقول رسول الله ( ﷺ ) فقال عبد الله أما والله لو وجدته لخصمته فدعوه فقال ابن الزبعري أأنت قلت ذلك قال نعم قال قد خصمتك ورب الكعبة أليس اليهود عبدوا عزيراً والنصارى عبدوا المسيح وبنوا مليح عبدوا الملائكة ثم روى في ذلك روايتان إحداهما أن رسول الله ( ﷺ ) سكت ولم يجب فضحك القوم فنزل قوله تعالى وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقَالُواْ ءأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ( الزخرف ٥٧ ٥٨ ) ونزل في عيسى والملائكة إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الْحُسْنَى ( الأنبياء ١٠١ ) الآية هذا قول ابن عباس الرواية الثانية أنه عليه السلام أجاب وقال بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك فأنزل الله سبحانه إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الْحُسْنَى ( الأنبياء ١٠١ ) الآية يعني عزيراً والمسيح والملائكة واعلم أن سؤال ابن الزبعري ساقط من وجوه أحدها أن قوله إِنَّكُمْ خطاب مشافهة وكان ذلك مع مشركي مكة وهم كانوا يعبدون الأصنام فقط وثانيها أنه لم يقل ومن تعبدون بل قال ما تعبدون وكلمة ما لا تتناول العقلاء
أما قوله تعالى وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا ( الشمس ٥ ) وقوله لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ( الكافرون ٢ ) فهو محمول على الشيء ونظيره ههنا أن يقال إنكم والشيء الذي تعبدون من دون الله لكن لفظ الشيء لا يفيد العموم فلا يتوجه سؤال ابن الزبعري وثالثها أن من عبد الملائكة لا يدعي أنهم آلهة وقال سبحانه لَوْ كَانَ هَؤُلاء ءالِهَة ً مَّا وَرَدُوهَا ورابعها هب أنه ثبت العموم لكنه مخصوص بالدلائل العقلية والسمعية في حق الملائكة والمسيح وعزير لبراءتهم من الذنوب والمعاصي ووعد الله إياهم بكل مكرمة


الصفحة التالية
Icon