أما قوله تعالى كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ففيه مسائل
المسألة الأولى قال الفراء انقطع الكلام عند قوله الكتاب ثم ابتدأ فقال كَمَا بَدَأْنَا ومنهم من قال إنه تعالى لما قال وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَئِكَة ُ هَاذَا يَوْمُكُمُ الَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ ( الأنبياء ١٠٣ ) عقبه بقوله يَوْمَ نَطْوِى السَّمَاء كَطَى ّ السّجِلّ لِلْكُتُبِ فوصف اليوم بذلك ثم وصفه بوصف آخر فقال كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ
المسألة الثانية قال صاحب ( الكشاف ) رحمه الله أَوَّلَ خَلْقٍ مفعول نعيد الذي يفسره نعيده والكاف مكفوفة بما والمعنى نعيد أول الخلق كما بدأناه تشبيهاً للإعادة بالابتداء فإن قلت ما بال خلق منكراً قلت هو كقولك أول رجل جاءني زيد تريد أول الرجال ولكنك وحدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلاً رجلاً فكذلك معنى أول خلق أول الخلق بمعنى أول الخلائق لأن الخلق مصدر لا يجمع
المسألة الثالثة اختلفوا في كيفية الإعادة فمنهم من قال إن الله تعالى يفرق أجزاء الأجسام ولا يعدمها ثم إنه يعيد تركيبها فذلك هو الإعادة ومنهم من قال إنه تعالى يعدمها بالكلية ثم إنه يوجدها بعينها مرة أخرى وهذه الآية دلالة على هذا الوجه لأنه سبحانه شبه الإعادة بالإبتداء ولما كان الابتداء ليس عبارة عن تركيب الأجزاء المتفرقة بل عن الوجود بعد العدم وجب أن يكون الحال في الإعادة كذلك واحتج القائلون بالمذهب الأول بقوله تعالى وَالسَّمَاواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ( الزمر ٦٧ ) فدل هذا على أن السموات حال كونها مطوية تكون موجودة وبقوله تعالى يَوْمَ تُبَدَّلُ الاْرْضُ غَيْرَ الاْرْضِ ( إبراهيم ٤٨ ) وهذا يدل على أن أجزاء الأرض باقية لكنها جعلت غير الأرض
أما قوله تعالى وَعْداً عَلَيْنَا ففيه قولان أحدهما أن وعداً مصدر مؤكد لأن قوله نُّعِيدُهُ عدة للإعادة الثاني أن يكون المراد حقاً علينا بسبب الإخبار عن ذلك وتعلق العلم بوقوعه مع أن وقوع ما علم الله وقوعه واجب ثم إنه تعالى حقق ذلك بقوله إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ أي سنفعل ذلك لا محالة وهو تأكيد لما ذكره من الوعد
أما قوله تعالى وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذّكْرِ ففيه مسائل
المسألة الأولى قرأ حمزة بضم الزاي والباقون بفتحها يعني الزبور كالحلوب والركوب يقال زبرت الكتاب أي كتبته والمزبور بضم الزاي جمع زبر كقشر وقشور ومعنى القراءتين واحد لأن الزبور هو الكتاب
المسألة الثانية في الزبور والذكر وجوه أحدها وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد والكلبي ومقاتل وابن زيد الزبور هو الكتب المنزلة والذكر الكتاب الذي هو أم الكتاب في السماء لأن فيها كتابة كل ما سيكون اعتباراً للملائكة وكتب الأنبياء عليهم السلام من ذلك الكتاب تنسخ وثانيها الزبور هو القرآن والذكر هو التوراة وهو قول قتادة والشعبي وثالثها الزبور زبور داود عليه السلام والذكر هو الذي يروى عنه عليه السلام قال كان الله تعالى ولم يكن معه شيء ثم خلق الذكر وعندي فيه وجه رابع وهو أن المراد بالذكر العلم أي كتبنا ذلك في الزبور بعد أن كنا عالمين علماً لا يجوز السهو والنسيان علينا فإن من كتب شيئاً والتزمه ولكنه يجوز السهو عليه فإنه لا يعتمد عليه أما من لم يجز عليه السهو والخلف فإذا التزم شيئاً كان ذلك الشيء واجب الوقوع


الصفحة التالية
Icon