محمد ( ﷺ ) والأقرب أنه مع موسى لأن الكلام أجمع خطاب له وعلى كلا الوجهين فلا معنى لقول الزجاج إنه ليس بمراد وإنما أريد به غيره وذلك لأنه ظن أن النبي ( ﷺ ) لما لم يجز عليه مع النبوة أن يصده أحد عن الإيمان بالساعة لم يجز أن يكون مخاطباً بذلك وليس الأمر كما ظن لأنه إذا كان مكلفاً بأن لا يقبل الكفر بالساعة من أحد وكان قادراً على ذلك جاز أن يخاطب به ويكون المراد هو وغيره ويحتمل أيضاً أن يكون المراد بقوله فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا النهي له عن الميل إليهم ومقاربتهم
المسألة الثالثة المقصود نهي موسى عليه السلام عن التكذيب بالبعث ولكن ظاهر اللفظ يقتضي نهي من لم يؤمن عن صد موسى عليه السلام وفيه وجهان أحدهما أن صد الكافر عن التصديق بها سبب للتكذيب فذكر السبب ليدل على المسبب والثاني أن صد الكافر مسبب عن رخاوة الرجل في الدين فذكر المسبب ليدل حمله على السبب كقوله لا أرينك ههنا المراد نهيه عن مشاهدته والكون بحضرته فكذا ههنا كأنه قيل لا تكن رخواً بل كن في الدين شديداً صلباً
المسألة الرابعة الآية تدل على أن تعلم علم الأصول واجب لأن قوله فَلاَ يَصُدَّنَّكَ يرجع معناه إلى صلابته في الدين وتلك الصلابة إن كان المراد بها التقليد لم يتميز المبطل فيه من المحق فلا بد وأن يكون المراد بهذه الصلابة كونه قوياً في تقرير الدلائل وإزالة الشبهات حتى لا يتمكن الخصم من إزالته عن الدين بل هو يكون متمكناً من إزالة المبطل عن بطلانه
المسألة الخامسة قال القاضي قوله فَلاَ يَصُدَّنَّكَ يدل على أن العباد هم الذين يصدون ولو كان تعالى هو الخالق لأفعالهم لكان هو الصاد دونهم فدل ذلك على بطلان القول بالجبر والجواب المعارضة بمسألة العلم والداعي والله أعلم أما قوله تعالى وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فالمعنى أن منكر البعث إنما أنكره اتباعاً للهوى لا لدليل وهذا من أعظم الدلائل على فساد التقليد لأن المقلد متبع للهوى لا الحجة أما قوله فَتَرْدَى فهو بمعنى ولا يصدنك فتردى وإن صدوك وقبلت فليس إلا الهلاك بالنار واعلم أن المتوغلين في أسرار المعرفة قالوا المقام مقامان أحدهما مقام المحو والفناء عما سوى الله تعالى والثاني مقام البقاء بالله والأول مقدم على الثاني لأن من أراد أن يكتب شيئاً في لوح مشغول بكتابة أخرى فلا سبيل له إليه إلا بإزالة الكتابة الأولى ثم بعد ذلك يمكن إثبات الكتابة الثانية والحق سبحانه راعى هذا الترتيب الحسن في هذا الباب لأنه قال لموسى عليه السلام اولا فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ وهو إشارة إلى تطهير السر عما سوى الله تعالى ثم بعد ذلك أمره بتحصيل ما يجب تحصيله وأصول هذا الباب ترجع إلى ثلاثة علم المبدأ وعلم الوسط وعلم المعاد فعلم المبدأ هو معرفة الحق سبحانه وتعالى وهو المراد بقوله إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لا إله إِلا أَنَاْ ( طه ١٤ ) وأما علم الوسط فهو علم العبودية ومعناها الأمر الذي يجب أن يشتغل الإنسان به في هذه الحياة الجسمانية وهو المراد بقوله إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لا ( طه ١٤ ) ثم في هذا أيضاً تعثر لأن قوله فَاعْبُدْنِى إشارة إلى الأعمال الجسمانية وقوله لِذِكْرِى إشارة إلى الأعمال الروحانية والعبودية أولها الأعمال الجسمانية وآخرها الأعمال الروحانية وأما علم المعاد فهو قوله إِنَّ السَّاعَة َ ءاتِيَة ٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ثم إنه تعالى افتتح هذه التكاليف بمحض اللطف وهو قوله إِنّى أَنَاْ رَبُّكَ ( طه ١٢ ) واختتمها بمحض القهر وهو قوله فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى تنبيهاً على أن رحمته سبقت غضبه وإشارة إلى أن العبد لا بد له في العبودية من الرغبة والرهبة والرجاء والخوف وعند الوقوف على هذه الجملة تعرف أن هذا الترتيب هو النهاية في الحسن والجودة وأن ذلك لا يتأتى إلا من العالم بكل المعلومات


الصفحة التالية
Icon