هو افتتاح اسمه الطيب الطاهر الهادي وخامسها الطاء من الطهارة والهاء من الهداية كأنه قيل يا طاهراً من الذنوب ويا هادياً إلى علام الغيوب وسادسها الطاء طول القراء والهاء هيبتهم في قلوب الكفار قال الله تعالى سَنُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ ( آل عمران ١٥١ ) وسابعها الطاء تسعة في الحساب والهاء خمسة تكون أربعة عشر ومعناه يا أيها البدر وقد عرفت فيما تقدم أن أمثال هذه الأقوال لا يجب أن يعتمد عليها القول الثاني قول من قال إنها كلمة مفيدة وعلى هذا القول ذكروا وجهين أحدهما معناه يا رجل وهو مروي عن ابن عباس والحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وعكرمة والكلبي رضي الله عنهم ثم قال سعيد بن جبير بلسان النبطية وقال قتادة بلسان السريانية وقال عكرمة بلسان الحبشة وقال الكلبي بلغة عك وأنشد الكلبي لشاعرهم إن السفاهة طه في خلائقكم
لا قدس الله أرواح الملاعين
وقد تكلم الناس على هذا القول من وجهين الأول أنه بمعنى يا رجل في اللغة حمل عليه لكنه لا يجوز إن ثبت على هذا المعنى إلا في لغة العرب إذ القرآن بهذه اللغة نزل فيحتمل أن تكون لغة العرب في هذه اللفظة موافقة لسائر اللغات التي حكيناها فأما على غير هذا الوجه فلا يحتمل ولا يصح الثاني قال صاحب ( الكشاف ) إن كان طه في لغة عك بمعنى يا رجل فلعلهم تصرفوا في يا هذا فقلبوا الياء طاء فقالوا طا واختصروا في هذا واقتصروا على ها فقوله طه بمعنى يا هذا واعترض بعضهم عليه وقالوا لو كان كذلك لوجب أن يكتب أربعة أحرف طا ها وثانيهما أنه عليه السلام كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه فأمر أن يطأ الأرض بقدميه معاً وكان الأصل طأ فقلبت همزته هاء كما قالوا هياك في إياك وهرقت في أرقت ويجوز أن يكون الأصل من وطىء على ترك الهمزة فيكون أصله طأ يا رجل ثم أثبت الهاء فيها للوقف والوجهان ذكرهما الزجاج أما قوله تعالى مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابِ لِتَشْقَى ففيه مسائل
المسألة الأولى قال صاحب ( الكشاف ) إن جعلت طه تعديداً لأسماء الحروف فهذا ابتداء كلام وإن جعلتها اسماً للسورة احتمل أن يكون قوله مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءانَ لِتَشْقَى خبراً عنها وهي في موضع المبتدأ والقرآن ظاهر أوقع موقع المضمر لأنها قرآن وأن يكون جواباً لها وهي قسم
المسألة الثانية قرىء مَّا نَزَّلَ عَلَيْكَ الْقُرْءانَ لِتَشْقَى
المسألة الثالثة ذكروا في سبب نزول الآية وجوهاً أحدها قال مقاتل إن أبا جهل والوليد بن المغيرة ومطعم بن عدي والنضر بن الحارث قالوا لرسول الله ( ﷺ ) إنك لتشقى حيث تركت دين آبائك فقال عليه السلام ( بل بعثت رحمة للعالمين ) قالوا بل أنت تشقى فأنزل الله تعالى هذه الآية رداً عليهم وتعريفاً لمحمد ( ﷺ ) بأن دين الإسلام هو السلام وهذا القرآن هو السلام إلى نيل كل فوز والسبب في إدراك كل سعادة وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها وثانيها أنه عليه السلام صلى بالليل حتى تورمت قدماه فقال له جبريل عليه السلام ( أبق على نفسك فإن لها عليك حقاً ) أي ما أنزلناه لتهلك نفسك بالعبادة وتذيقها المشقة العظيمة وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة وروى أيضاً أنه عليه السلام ( كان إذا قام من الليل ربط صدره بحبل حتى لا ينام ) وقال بعضهم كان يقوم على رجل واحدة وقال بعضهم كان يسهر طول الليل فأراد بقوله لِتَشْقَى ذلك قال القاضي هذا بعيد لأنه عليه السلام إن فعل شيئاً من ذلك فلا بد وأن يكون قد فعله بأمر الله تعالى وإذا فعله بأمره فهو من باب السعادة فلا يجوز أن يقال له ما أمرناك بذلك وثالثها قال بعضهم يحتمل أن يكون المراد لا تشق على نفسك ولا تعذبها


الصفحة التالية
Icon