ورؤية العبر والتأمل في الحقائق قال للمؤمنين وهو الذي أعطاكم هذه الأشياء ووقفكم عليها تنبيهاً على أن من لم يستعمل هذه الأعضاء فيما خلقت له فهو بمنزلة عادمها كما قال تعالى فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مّن شَى ْء إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِئَايَاتِ اللَّهِ تنبيهاً على أن حرمان أولئك الكفار ووجدان هؤلاء المؤمنين ليس إلا من الله واعلم أنه سبحانه بين عظيم نعمه من وجوه أحدها بإعطاء السمع والأبصار والأفئدة وخص هذه الثلاثة بالذكر لأن الاستدلال موقوف عليها ثم بين أنه يقل منهم الشاكرون قال أبو مسلم وليس المراد أن لهم شكراً وإن قل لكنه كما يقال للكفور الجاحد للنعمة ما أقل شكر فلان وثانيها قوله وَهُوَ الَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى الاْرْضِ قيل في التفسير خَلَقَكُمْ قال أبو مسلم ويحتمل بسطكم فيها ذرية بعضكم من بعض حتى كثرتم كقوله تعالى ذُرّيَّة َ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ( الإسراء ٣ ) فنقول هو الذي جعلكم في الأرض متناسلين ويحشركم يوم القيامة إلى دار لا حاكم فيها سواه فجعل حشرهم إلى ذلك الموضع حشراً إليه لا بمعنى المكان وثالثها قوله وَهُوَ الَّذِى يُحى ِ وَيُمِيتُ أي نعمة الحياة وإن كانت من أعظم النعم فهي منقطعة وأنه سبحانه وإن أنعم بها فالمقصود منها الانتقال إلى دار الثواب ورابعها قوله وَلَهُ اخْتِلَافُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ ووجه النعمة بذلك معلوم ثم إنه سبحانه حذر من ترك النظر في هذه الأمور فقال أَفَلاَ تَعْقِلُونَ لأن ذلك دلالة الزجر والتهديد وقرىء أَفَلاَ يَعْقِلُونَ
بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ الاٌّ وَّلُونَ قَالُوا أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءَابَآؤُنَا هَاذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَاذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الاٌّ وَّلِينَ
اعلم أنه سبحانه لما أوضح القول في دلائل التوحيد عقبه بذكر المعاد فقال بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ الاْوَّلُونَ في إنكار البعث مع وضوح الدلائل ونبه بذلك على أنهم إنما أنكروا ذلك تقليداً للأولين وذلك يدل على فساد القول بالتقليد ثم حكى الشبهة عنهم من وجهين أحدهما قولهم أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ وهو مشهور وثانيهما قولهم لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءابَاؤُنَا هَاذَا مِن قَبْلُ كأنهم قالوا إن هذا الوعد كما وقع منه عليه الصلاة والسلام فقد وقع قديماً من الأنبياء ثم لم يوجد مع طول العهد فظنوا أن الإعادة


الصفحة التالية
Icon