عن أيامه عليه السلام فلذلك قال بعضهم هو في أهل البغى وبعضهم في الكفار الذين قوتلوا بعد الرسول ( ﷺ ) والثاني أن المراد عذاب الآخرة
أما قوله ادْفَعْ بِالَّتِى هِى َ أَحْسَنُ السَّيّئَة َ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ فالمراد منه أن الأولى به عليه السلام أن يعامل به الكفار فأمر باحتمال ما يكون منهم من التكذيب وضروب الأذى وأن يدفعه بالكلام الجميل كالسلام وبيان الأدلة على أحسن الوجوه وبين له أنه أعلم بحالهم منه عليه السلام وأنه سبحانه لما لم يقطع نعمه عنهم فينبغي أن يكون هو عليه السلام مواظباً على هذه الطريقة قال صاحب ( الكشاف ) قوله ادْفَعْ بِالَّتِى هِى َ أَحْسَنُ السَّيّئَة َ ( المؤمنون ٩٦ ) أبلغ من أن يقال بالحسنة السيئة لما فيه من التفضيل والمعنى الصفح عن إساءتهم ومقابلتها بما أمكن من الإحسان حتى إذا اجتمع الصفح والإحسان وبذل الطاقة فيه كانت حسنة مضاعفة بإزاء السيئة وقيل هذه الآية منسوخة بآية السيف وقيل محكمة لأن المداراة محثوث عليها ما لم تؤد إلى نقصان دين أو مروءة
وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّى أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَة ٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
اعلم أنه سبحانه لما أدب رسوله بقوله ادْفَعْ بِالَّتِى هِى َ أَحْسَنُ السَّيّئَة َ ( المؤمنون ٩٦ ) أتبعه بما به يقوى على ذلك وهو الاستعاذة بالله من أمرين أحدهما من همزات الشياطين والهمزات جمع الهمزة وهو الدفع والتحريك الشديد وهو كالهز والأز ومنه مهماز الرائض وهمزاته هو كيده بالوسوسة ويكون ذلك منه في الرسول بوجهين أحدهما بالوسوسة والآخر بأن يبعث أعداءه على إيذائه وكذلك القول في المؤمنين لأن الشيطان يكيدهم بهذين الوجهين ومعلوم أن من ينقطع إلى الله تعالى ويسأله أن يعيذه من الشيطان فإنه يجب أن يكون متذكراً متيقظاً فيما يأتي ويذر فيكون نفس هذا الانقطاع إلى الله تعالى داعية إلى التمسك بالطاعة وزاجراً عن المعصية قال الحسن كان عليه السلام يقول بعد استفتاح الصلاة ( لا إله إلا الله ثلاثاً الله أكبر ثلاثاً اللهم إني أعوذ بك من همزات الشياطين همزه ونفثه ونفخه فقيل يا رسول الله وما همزه قال الموتة التي تأخذ ابن آدم أي الجنون الذي يأخذ ابن آدم قيل فما نفثه قال الشعر قيل فما نفخه قال الكبر وثانيها قوله وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَن يَحْضُرُونِ وفيه وجهان أحدهما أن يحضرون عند قراءة القرآن لكي يكون متذكراً فيقل سهوه وقال آخرون بل استعاذ بالله من نفس حضورهم لأنه الداعي إلى وسوستهم كما يقول المرء أعوذ بالله من خصومتك بل أعوذ بالله من لقائك وروي عن رسول الله ( ﷺ ) وقد اشتكى إليه رجل أرقاً يجده فقال ( إذا أردت النوم فقل أعوذ بالله وبكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده


الصفحة التالية
Icon