المسألة الرابعة احتج من أنكر عذاب القبر بهذه الآية فقال قوله كَمْ لَبِثْتُمْ فِى الاْرْضِ يتناول زمان كونهم أحياء فوق الأرض وزمان كونهم أمواتاً في بطن الأرض فلو كانوا معذبين في القبر لعلموا أن مدة مكثهم في الأرض طويلة فما كانوا يقولون لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ والجواب من وجهين أحدهما أن الجواب لا بد وأن يكون بحسب السؤال وإنما سألوا عن موت لا حياة بعده إلا في الآخرة وذلك لا يكون إلا بعد عذاب القبر والثاني يحتمل أن يكونوا سألوا عن قدر اللبث الذي اجتمعوا فيه فلا يدخل في ذلك تقدم موت بعضهم على البعض فيصح أن يكون جوابهم لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ عند أنفسنا
أما قوله فَاسْأَلِ الْعَادّينَ ففيه وجوه أحدها المراد بهم الحفظة وأنهم كانوا يحصون الأعمال وأوقات الحياة ويحسبون أوقات موتهم وتقدم من تقدم وتأخر من تأخر وهو معنى قول عكرمة فاسأل العادين أي الذين يحسبون وثانيها فاسأل الملائكة الذين يعدون أيام الدنيا وساعاتها وثالثها أن يكون المعنى سل من يعرف عدد ذلك فإنا قد نسيناه ورابعها قرىء العادين بالتخفيف أي الظلمة فإنهم يقولون مثل ما قلنا وخامسها قرىء العاديين أي القدماء المعمرين فإنهم يستقصرونها فكيف بمن دونهم
أما قوله لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً فالمعنى أنهم قالوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ على معنى أنا لبثنا في الدنيا قليلاً فكأنه قيل لهم صدقتم ما لبثتم فيها إلا قليلاً إلا أنها انقضت ومضت فظهر أن الغرض من هذا السؤال تعريف قلة أيام الدنيا في مقابلة أيام الآخرة
فأما قوله تعالى لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فبين في هذا الوجه أنه أراد أنه قليل لو علمتم البعث والحشر لكنكم لما أنكرتم ذلك كنتم تعدونه طويلاً
ثم بين تعالى ما هو في التوبيخ أعظم بقوله أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ وفيه مسألتان
المسألة الأولى قال صاحب ( الكشاف ) عَبَثاً حال أي عابثين كقوله لاَعِبِينَ أو مفعول به أي ما خلقناكم للعبث
المسألة الثانية أنه سبحانه لما شرح صفات القيامة ختم الكلام فيها بإقامة الدلالة على وجودها وهي أنه لولا القيامة لما تميز المطيع من العاصي والصديق من الزنديق وحينئذ يكون خلق هذا العالم عبثاً وأما الرجوع إلى الله تعالى فالمراد إلى حيث لا مالك ولا حاكم سواه لا أنه رجوع من مكان إلى مكان لاستحالة ذلك على الله تعالى ثم إنه تعالى نزه نفسه عن العبث بقوله فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ والملك هو المالك للأشياء الذي لا يبيد ولا يزول ملكه وقدرته وأما الحق فهو الذي يحق له الملك لأن كل شيء منه وإليه وهو الثابت الذي لا يزول ولا يزول ملكه وبين أنه لا إله سواه وأن ما عداه فمصيره إلى الفناء وما يفنى لا يكون إلهاً وبين أنه تعالى رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ قال أبو مسلم والعرش ههنا السموات بما فيها من العرش الذي تطوف به الملائكة ويجوز أن يعني به الملك العظيم وقال الأكثرون المراد هو العرش حقيقة وإنما وصفه بالكريم لأن الرحمة تنزل منه والخير والبركة ولنسبته إلى أكرم الأكرمين كما يقال بيت كريم إذا كان ساكنوه كراماً وقرىء الكريم بالرفع ونحوه ذو العرش المجيد


الصفحة التالية
Icon