لأنهم إذا كانوا كذلك عظم موقع حضورهم في الزجر وعظم موقع إخبارهم عما شاهدوا فيخاف المجلود من حضورهم الشهرة فيكون ذلك أقوى في الانزجار والله أعلم
الحكم الثاني
الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَة ً أَوْ مُشْرِكَة ً وَالزَّانِيَة ُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
قرىء لاَ يَنكِحُ بالجزم عن النهي وقرىء وَحَرَّمَ بفتح الحاء ثم إن في الآية سؤالات
السؤال الأول قوله الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَة ً أَوْ مُشْرِكَة ً ظاهره خبر ثم إنه ليس الأمر كما يشعر به هذا الظاهر لأنا نرى أن الزاني قد ينكح المؤمنة العفيفة والزانية قد ينكحها المؤمن العفيف
السؤال الثاني أنه قال وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وليس كذلك فإن المؤمن يحل له التزوج بالمرأة الزانية والجواب اعلم أن المفسرين لأجل هذين السؤالين ذكروا وجوهاً أحدها وهو أحسنها ما قاله القفال وهو أن اللفظ وإن كان عاماً لكن المراد منه الأعم الأغلب وذلك لأن الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا والفسق لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء وإنما يرغب في فاسقة خبيثة مثله أو في مشركة والفاسقة الخبيثة لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وينفرون عنها وإنما يرغب فيها من هو من جنسها من الفسقة والمشركين فهذا على الأعم الأغلب كما يقال لا يفعل الخير إلا الرجل التقي وقد يفعل بعض الخير من ليس بتقي فكذا ههنا
وأما قوله وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فالجواب من وجهين أحدهما أن نكاح المؤمن الممدوح عند الله الزانية ورغبته فيها وانخراطه بذلك في سلك الفسقة المتسمين بالزنا محرم عليه لما فيه من التشبه بالفساق وحضور مواضع التهمة والتسبب لسوء المقالة فيه والغيبة ومجالسة الخاطئين كم فيها من التعرض لاقتراف الآثام فكيف بمزاوجة الزواني والفجار الثاني وهو أن صرف الرغبة بالكلية إلى الزواني وترك الرغبة في الصالحات محرم على المؤمنين لأن قوله الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَة ً معناه أن الزاني لا يرغب إلا في الزانية فهذا الحصر محرم على المؤمنين ولا يلزم من حرمة هذا الحصر حرمة التزوج بالزانية فهذا هو المعتمد في تفسير الآية الوجه الثاني أن الألف واللام في قوله الزَّانِى وفي قوله وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وإن كان للعموم ظاهراً لكنه ههنا مخصوص بالأقوام الذين نزلت هذه الآية فيهم قال مجاهد وعطاء بن أبي رباح وقتادة قدم المهاجرون المدينة وفيهم فقراء ليس لهم أموال ولا عشائر وبالمدينة نساء بغايا يكرين أنفسهن وهن يومئذ أخصب أهل المدينة ولكل واحدة منهن علامة على بابها كعلامة البيطار ليعرف أنها زانية وكان لا يدخل عليها إلا زان أو مشرك فرغب في كسبهن ناس من فقراء المسلمين وقالوا نتزوج بهن إلى أن يغنينا الله عنهن فاستأذنوا رسول الله ( ﷺ ) فنزلت هذه الآية فتقدير الآية أولئك الزواني لا ينكحون إلا تلك الزانيات وتلك الزانيات لا ينكحهن إلا أولئك الزواني وحرم نكاحهن على المؤمنين


الصفحة التالية
Icon