مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبداً والثاني أن الفرقة لا تحصل إلا بحكم الحاكم واحتجوا عليه بوجوه أحدها روى في قصة عويمر أنهما لما فرغا ( قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها هي طالق ثلاثاً ) فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله ( ﷺ ) والاستدلال بهذا الخبر من وجوه أحدها أنه لو وقعت الفرقة باللعان لبطل قوله ( كذبت عليها إن أمسكتها ) لأن إمساكها غير ممكن وثانيها ما روي في هذا الخبر أنه طلقها ثلاث تطليقات فأنفذه رسول الله ( ﷺ ) وتنفيذ الطلاق إنما يمكن لو لم تقع الفرقة بنفس اللعان وثالثها ما قال سهل بن سعد في هذا الخبر مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ولا يجتمعان أبداً ولو كانت الفرقة واقعة باللعان استحال التفريق بعدها وثانيها قال أبو بكر الرازي قول الشافعي رحمه الله خلاف الآية لأنه لو وقعت الفرقة بلعان الزوج للاعنت المرأة وهي أجنبية وذلك خلاف الآية لأن الله تعالى إنما أوجب اللعان بين الزوجين وثالثها أن اللعان شهادة لا يثبت حكمه إلا عند الحاكم فوجب أن لا يوجب الفرقة إلا بحكم الحاكم كما لا يثبت المشهود به إلا بحكم الحاكم ورابعها اللعان تستحق به المرأة نفسها كما يستحق المدعي بالبينة فلما لم يجز أن يستحق المدعي مدعاه إلا بحكم الحاكم وجب مثله في استحقاق المرأة نفسها وخامسها أن اللعان لا إشعار فيه بالتحريم لأن أكثر ما فيه أنها زنت ولو قامت البينة على زناها أو هي أقرت بذلك فذاك لا يوجب التحريم فكذا اللعان وإذا لم يوجد فيها دلالة على التحريم وجب أن لا تقع الفرقة به فلا بد من إحداث التفريق إما من قبل الزوج أو من قبل الحاكم أما قول مالك وزفر فحجته أنهما لو تراضيا على البقاء على النكاح لم يخليا بل يفرق بينهما فدل على أن اللعان قد أوجب الفرقة أما قول الشافعي رحمه الله فله دليلان الأول قوله تعالى وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ الآية فدل هذا على أنه لا تأثير للعان المرأة إلا في دفع العذاب عن نفسها وأن كل ما يجب باللعان من الأحكام فقد وقع بلعان الزوج الثاني أن لعان الزوج وحده مستقل بنفي الولد فوجب أن يكون الاعتبار بقوله في الإلحاق لا بقولها ألا ترى أنها في لعانها تلحق الولد به ونحن ننفيه عنه فيعتبر نفي الزوج لا إلحاق المرأة ولهذا إذا أكذب الزوج نفسه ألحق به الولد وما دام يبقى مصراً على اللعان فالولد منفي عنه إذا ثبت أن لعانه مستقل بنفي الولد وجب أن يكون مستقلاً بوقوع الفرقة لأن الفرقة لو لم تقع لم ينتف الولد لقوله عليه السلام ( الولد للفراش ) فما دام يبقى الفراش التحق به فلما انتفى الولد عنه بمجرد لعانه وجب أنه يزول الفراش عنه بمجرد لعانه وأما الأخبار التي استدل بها أبو حنيفة رحمه الله فالمراد به أن النبي عليه السلام أخبر عن وقوع الفرقة وحكم بها وذلك لا ينافي أن يكون المؤثر في الفرقة شيئاً آخر وأما الأقيسة التي ذكرها فمدارها على أن اللعان شهادة وليس الأمر كذلك بل هو يمين على ما بينا وأما قوله اللعان لا إشعار فيه بوقوع الحرمة قلنا بينته على نفي الولد مقبولة ونفي الولد يتضمن نفي حلية النكاح والله أعلم
المسألة الثانية قال مالك والشافعي وأبو يوسف والثوري وإسحق والحسن المتلاعنان لا يجتمعان أبداً وهو قول علي وعمر وابن مسعود وقال أبو حنيفة ومحمد إذا أكذب نفسه وحد زال تحريم العقد وحلت له بنكاح جديد حجة الشافعي رحمه الله أمور أحدها قوله عليه السلام للملاعن بعد اللعان ( لا سبيل لك عليها ) ولم يقل حتى تكذب نفسك ولو كان الإكذاب غاية لهذه الحرمة لردها رسول الله ( ﷺ ) إلى هذه الغاية كما قال في المطلقة بالثلاث فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ( البقرة ٢٣٠ ) وثانيها