روي أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال لأم أيوب أما ترين ما يقال فقالت لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرم رسول الله سوءاً قال لا قالت ولو كنت بدل عائشة ما خنت رسول الله ( ﷺ ) فعائشة خير مني وصفوان خير منك وقال ابن زيد ذلك معاتبة للمؤمنين إذ المؤمن لا يفجر بأمه ولا الأم بابنها وعائشة رضي الله عنها هي أم المؤمنين والثاني أنه جعل المؤمنين كالنفس الواحدة فيما يجري عليها من الأمور فإذا جرى على أحدهم مكروه فكأنه جرى على جميعهم عن النعمان بن بشير قال عليه السلام ( مثل المسلمين في تواصلهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا وجع بعضه بالسهر والحمى وجع كله ) وعن أبي بردة قال عليه السلام ( المؤمنون للؤمنين كالبنيان يشد بعضه بعضاً )
السؤال الثالث ما معنى قوله هَاذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ وهل يحل لمن يسمح ما لا يعرفه أن يقول ذلك الجواب من وجهين الأول كذلك يجب أن يقول لكنه يخبر بذلك عن قول القاذف الذي لا يستند إلى أمارة ولا عن حقيقة الشيء الذي لا يعلمه الثاني أن ذلك واجب في أمر عائشة لأن كونها زوجة الرسول ( ﷺ ) المعصوم عن جميع المنفرات كالدليل القاطع في كون ذلك كذباً قال أبو بكر الرازي هذا يدل على أن الواجب فيمن كان ظاهره العدالة أن يظن به خيراً ويوجب أن يكون عقود المسلمين وتصرفاتهم محمولة على الصحة والجواز ولذلك قال أصحابنا فيمن وجد رجلاً مع امرأة أجنبية فاعترفا بالتزويج إنه لا يجوز تكذيبهما بل يجب تصديقهما وزعم مالك أنه يحدهما أن لم يقيما بينة على النكاح ومن ذلك أيضاً ما قال أصحابنا رضي الله عنهم فيمن باع درهماً وديناراً بدرهمين ودينارين إنه يخالف بينهما لأنا قد أمرنا بحسن الظن بالمؤمنين فوجب حمله على ما يجوز وهو المخالفة بينهما وكذلك إذا باع سيفاً محلى فيه مائة درهم بمائتي درهم إنا نجعل المائة بالمائة والفضل بالسيف وهو يدل أيضاً على قول أبي حنيفة رحمه الله في أن المسلمين عدول ما لم يظهر منهم ريبة لأنا مأمورون بحسن الظن وذلك يوجب قبول الشهادة ما لم يظهر منه ريبة توجب التوقف عنها أوردها قال تعالى إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقّ شَيْئًا ( النجم ٢٨ )
النوع الثاني
لَّوْلاَ جَآءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَة ِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَائِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ
وهذا من باب الزواجر والمعنى هلا أتوا على ما ذكروه بأربعة شهداء يشهدون على معاينتهم فيما رموها به فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاء ( النور ١٣ ) أي فحين لم يقيموا بينة على ما قالوا فأولئك عند الله أي في حكمه هم الكاذبون فإن قيل أليس إذا لم يأتوا بالشهداء فإنه يجوز كونهم صادقين كما يجوز كونهم كاذبين فلم جزم بكونهم كاذبين والجواب من وجهين الأول أن المراد بذلك الذين رموا عائشة خاصة وهم كانوا عند الله كاذبين الثاني المراد فأولئك عند الله في حكم الكاذبين فإن الكاذب يجب زجره عن الكذب والقاذف إن لم يأت بالشهود فإنه يجب زجره فلما كان شأنه شأن الكاذب في الزجر لا جرم أطلق عليه لفظ الكاذب مجازاً


الصفحة التالية
Icon