ومعلوم أن مد الحبل إلى سماء الدنيا والاختناق به أبعد في الإمكان من مده إلى سقف البيت لأن ذلك ممكن أما الذين قالوا السبب ليس هو الحبل فقد ذكروا وجهين الأول كأنه قال فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع بذلك السبب المسافة ثم لينظر فإنه يعلم أن مع تحمل المشقة فيما ظنه خاسر الصفقة كأن لم يفعل شيئاً وهو قول أبي مسلم والثاني كأنه قال فليطلب سبباً يصل به إلى السماء فليقطع نصر الله لنبيه ولينظر هل يتهيأ له الوصول إلى السماء بحيلة وهل يتهيأ له أن يقطع بذلك نصر الله عن رسوله فإذا كان ذلك ممتنعاً كان غيظه عديم الفائدة واعلم أن المقصد على كل هذه الوجوه معلوم فإنه زجر للكفار عن الغيظ فيما لا فائدة فيه وهو في معنى قوله فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِى َ نَفَقاً فِى الاْرْضِ أَوْ سُلَّماً فِى السَّمَاء ( الأنعام ٣٥ ) مبيناً بذلك أنه لا حيلة له في الآيات التي اقترحوها القول الثاني أن الهاء في قوله لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ راجع إلى من في أول الآية لأنه المذكور ومن حق الكناية أن ترجع إلى مذكور إذا أمكن ذلك ومن قال بذلك حمل النصرة على الرزق وقال أبو عبيدة وقف علينا سائل من بني بكر فقال من ينصرني نصره الله أي من يعطيني أعطاه الله فكأنه قال من كان يظن أن لن يرزقه الله في الدنيا والآخرة فلهذا الظن يعدل عن التمسك بدين محمد ( ﷺ ) كما وصفه تعالى في قوله وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَة ٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ ( الحج ١١ ) فيبلغ غاية الجزع وهو الاختناق فإن ذلك لا يغلب التسمية ويجعله مرزوقاً
أما قوله وَكَذالِكَ أَنزَلْنَاهُ ءايَاتٍ بَيّنَاتٍ فمعناه ومثل ذلك الإنزال أنزلنا القرآن كله آيات بينات
أما قوله وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يُرِيدُ فقد احتج أصحابنا به فقالوا المراد من الهداية إما وضع الأدلة أو خلق المعرفة والأول غير جائز لأنه تعالى فعل ذلك في حق كل المكلفين ولأن قوله يَهْدِى مَن يُرِيدُ دليل على أن الهداية غير واجبة عليه بل هي معلقة بمشيئته سبحانه ووضع الأدلة عند الخصم واجب فبقي أن المراد منه خلق المعرفة قال القاضي عبد الجبار في الاعتذار هذا يحتمل وجوهاً أحدها يكلف من يريد لأن من كلف أحداً شيئاً فقد وصفه له وبينه له وثانيها أن يكون المراد يهدي إلى الجنة والإثابة من يريد ممن آمن وعمل صالحاً وثالثها أن يكون المراد أن الله تعالى يلطف بمن يريد ممن علم أنه إذا زاده هدى ثبت على إيمانه كقوله تعالى وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وهذا الوجه هو الذي أشار الحسن إليه بقوله إن الله يهدي من قبل لا من لم يقبل والوجهان الأولان ذكرهما أبو علي والجواب عن الأول أن الله تعالى ذكر ذلك بعد بيان الأدلة والجواب عن الشبهات فلا يجوز حمله على محض التكليف وأما الوجهان الأخيران فمدفوعان لأنهما عندك واجبان على الله تعالى وقوله يَهْدِى مَن يُرِيدُ يقتضي عدم الوجوب
إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَة ِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَى ْءٍ شَهِيدٌ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الأرض وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ


الصفحة التالية
Icon