أفضل من أن تقابل إساءته بشيء وأنت أوسع قلباً من أن تقيم للدنيا وزناً فلا يليق بفضلك وسعة قلبك أن تقطع برك عنه بسبب ما صدر منه من الإساءة ومعلوم أن مثل هذا الخطاب يدل على نهاية الفضل والعلو في الدين وتاسعها أن الألف واللام يفيدان العموم فالألف واللام في الفضل والسعة يدلان على أن كل الفضل وكل السعة لأبي بكر كما يقال فلان هو العالم يعني قد بلغ في الفضل إلى أن صار كأنه كل العالم وما عداه كالعدم وهذا وأيضاً منقبة عظيمة وعاشرها قوله وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ وفيه وجوه منها أن العفو قرينة التقوى وكل من كان أقوى في العفو كان أقوى في التقوى ومن كان كذلك كان أفضل لقوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ( الحجرات ١٣ ) ومنها أن العفو والتقوى متلازمان فلهذا السبب اجتمعا فيه أما التقوى فلقوله تعالى وَسَيُجَنَّبُهَا الاْتْقَى ( الليل ١٧ ) وأما العفو فلقوله تعالى وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ وحادي عاشرها أنه سبحانه قال لمحمد ( ﷺ ) فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ( المائدة ١٣ ) وقال في حق أبي بكر وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ فمن هذا الوجه يدل على أن أبا بكر كان ثاني اثنين لرسول الله ( ﷺ ) في جميع الأخلاق حتى في العفو والصفح وثاني عشرها قوله أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ فإنه سبحانه ذكره بكناية الجمع على سبيل التعظيم وأيضاً فإنه سبحانه علق غفرانه له على إقدامه على العفو والصفح فلما حصل الشرط منه وجب ترتيب الجزاء عليه ثم قوله يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ بصيغة المستقبل وأنه غير مقيد بشيء دون شيء فدلت الآية على أنه سبحانه قد غفر له في مستقبل عمره على الإطلاق فكان من هذا الوجه ثاني اثنين للرسول ( ﷺ ) في قوله لّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ( الفتح ٢ ) ودليلاً على صحة إمامته رضي الله عنه فإن إمامته لو كانت على خلاف الحق لما كان مغفوراً له على الإطلاق ودليلاً على صحة ما ذكره الرسول ( ﷺ ) في خبر بشارة العشرة بأن أبا بكر في الجنة وثالث عشرها أنه سبحانه وتعالى لما قال أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وصف نفسه بكونه غفوراً رحيماً والغفور مبالغة في الغفران فعظم أبا بكر حيث خاطبه بلفظ الجمع الدل على التعظيم وعظم نفسه سبحانه حيث وصفه بمبالغة الغفران والعظيم إذا عظم نفسه ثم عظم مخاطبه فالعظمة الصادرة منه لأجله لا بد وأن تكون في غاية التعظيم ولهذا قلنا بأنه سبحانه لما قال إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ( الكوثر ١ ) وجب أن تكون العطية عظيمة فدلت الآية على أن أبا بكر ثاني اثنين للرسول ( ﷺ ) في هذه المنقبة أيضاً ورابع عشرها أنه سبحانه لما وصفه بأنه أولوا الفضل والسعة على سبيل المدح وجب أن يقال إنه كان خالياً عن المعصية لأن الممدوح إلى هذا الحد لا يجوز أن يكون من أهل النار ولو كان عاصياً لكان كذلك لقوله تعالى وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا ( النساء ١٤ ) وإذا ثبت أنه كان خالياً عن المعاصي فقوله يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ لا يجوز أن يكون المراد غفران معصية لأن المعصية التي لا تكون لا يمكن غفرانها وإذا ثبت أنه لا يمكن حمل الآية على ذلك وجب حملها على وجه آخر فكأنه سبحانه قال


الصفحة التالية
Icon