قوله وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ( فصلت ٢١ ) وعندنا البنية ليست شرطاً للحياة فيجوز أن يخلق الله تعالى في الجوهر الفرد علماً وقدرة وكلاماً وعند المعتزلة لا يجوز ذلك فلا جرم ذكروا في تأويل هذه الآية وجهين الأول أنه سبحانه يخلق في هذه الجوارح هذا الكلام وعندهم المتكلم فاعل الكلام فتكون تلك الشهادة من الله تعالى في الحقيقة إلا أنه سبحانه أضافها إلى الجوارح توسعاً الثاني أنه سبحانه بيني هذه الجوارح على خلاف ما هي عليه ويلجئها أن تشهد على الإنسان وتخبر عنه بأعماله قال القاضي وهذا أقرب إلى الظاهر لأن ذلك يفيد أنها تفعل الشهادة وثالثها قوله تعالى يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ولا شبهة في أن نفس دينهم ليس هو المراد لأن دينهم هو عملهم بل المراد جزاء عملهم والدين بمعنى الجزاء مستعمل كقولهم كما تدين تدان وقيل الدين هو الحساب كقوله ذلك الدين القيم أي الحساب الصحيح ومعنى قوله الْحَقّ أي أن الذي نوفيهم من الجزاء هو القدر المستحق لأنه الحق وما زاد عليه هو الباطل وقرىء الحق بالنصب صفة للدين وهو الجزاء وبالرفع صفة لله
وأما قوله وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ( النور ٢٥ ) فمن الناس من قال إنه سبحانه إنما سمي بالحق لأن عبادته هي الحق دون عبادة غيره أو لأنه الحق فيما يأمر به دون غيره ومعنى الْمُبِينُ يؤيد ما قلنا لأن المحق فيما يخاطب به هو المبين من حيث يبين الصحيح بكلامه دون غيره ومنهم من قال الحق من أسماء الله تعالى ومعناه الموجود لأن نقيضه الباطل وهو المعدوم ومعنى المبين المظهر ومعناه أن بقدرته ظهر وجود الممكنات فمعنى كونه حقاً أنه الموجود لذاته ومعنى كونه مبيناً أنه المعطي وجود غيره
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ أُوْلَائِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَة ٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
اعلم أن الخبيثات يقع على الكلمات التي هي القذف الواقع من أهل الإفك ويقع أيضاً على الكلام الذي هو كالذم واللعن ويكون المراد من ذلك لا نفس الكلمة التي هي من قبل الله تعالى بل المراد مضمون الكلمة ويقع أيضاً على الزواني من النساء وفي هذه الآية كل هذه الوجوه محتملة فإن حملناها على القذف الواقع من أهل الإفك كان المعنى الخبيثات من قول أهل الإفك للخبيثين من الرجال وبالعكس والطيبات من قول منكري الإفك للطيبين من الرجال وبالعكس وإن حلمناها على الكلام الذي هو كالذم واللعن فالمعنى أن الذم واللعن معدان للخبيثين من الرجال والخبيثون منهم معرضون للعن والذم وكذا القول في الطيبات وأولئك إشارة إلى الطيبين وأنهم مبرءون مما يقول الخبيثون من خبيثات الكلمات وإن حملناه حملناه على الزواني فالمعنى الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال وبالعكس على معنى قوله تعالى الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَة ً ( النور ٣ ) والطيبات من النساء للطيبين من الرجال والمعنى أن مثل ذلك الرمي الواقع من المنافقين لا يليق إلا بالخبيثات والخبيثين لا بالطيبات والطيبين كالرسول ( ﷺ ) وأزواجه فإن قيل فعلى هذا الوجه يلزم أن لا يتزوج الرجل العفيف بالزانية والجواب ما تقدم في قوله الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَة ً