المسألة الأولى اختلفوا في المراد بزينتهن واعلم أن الزينة اسم يقع على محاسن الخلق التي خلقها الله تعالى وعلى سائر ما يتزين به الإنسان من فضل لباس أو حلى وغير ذلك وأنكر بعضهم وقوع اسم الزينة عل الخلقة لأنه لا يكاد يقال في الخلقة إنها من زينتها وإنما يقال ذلك فيما تكتسبه من كحل وخضاب وغيره والأقرب أن الخلقة داخلة في الزينة ويدل عليها وجهان الأول أن الكثير من النساء ينفردن بخلقتهن عن سائر ما يعد زينة فإذا حملناه على الخلقة وفينا العموم حقه ولا يمنع دخول ما عدا الخلقة فيه أيضاً الثاني أن قوله وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ يدل على أن المراد بالزينة ما يعم الخلقة وغيرها فكأنه تعالى منعهن من إظهار محاسن خلقتهن بأن أوجب سترها بالخمار وأما الذين قالوا الزينة عبارة عما سوى الخلقة فقد حصروه في أمور ثلاثة أحدها الأصباغ كالكحل والخضاب بالوسمة في حاجبيها والغمرة في خديها والحناء في كفيها وقدميها وثانيها الحلى كالخاتم والسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط وثالثها الثياب قال الله تعالى خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ ( الأعراف ٣١ ) وأراد الثياب
المسألة الثانية اختلفوا في المراد من قوله إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا أما الذين حملوا الزينة على الخلقة فقال القفال معنى الآية إلا ما يظهره الإنسان في العادة الجارية وذلك في النساء الوجه والكفان وفي الرجل الأطراف من الوجه واليدين والرجلين فأمروا بستر ما لا تؤدي الضرورة إلى كشفه ورخص لهم في كشف ما اعتيد كشفه وأدت الضرورة إلى إظهاره إذ كانت شرائع الإسلام حنيفية سهلة سمحة ولما كان ظهور الوجه والكفين كالضروري لا جرم اتفقوا على أنهما ليسا بعورة أما القدم فليس ظهوره بضروري فلا جرم اختلفوا في أنه هل هو من العورة أم لا فيه وجهان الأصح أنه عورة كظهر القدم وفي صوتها وجهان أصحهما أنه ليس بعورة لأن نساء النبي ( ﷺ ) كن يروين الأخبار للرجال وأما الذين حملوا الزينة على ما عدا الخلقة فقالوا إنه سبحانه إنما ذكر الزينة لأنه لا خلاف أنه يحل النظر إليها حالما لم تكن متصلة بأعضاء المرأة فلما حرم الله سبحانه النظر إليها حال اتصالها ببدن المرأة كان ذلك مبالغة في حرمة النظر إلى أعضاء المرأة وعلى هذا القول يحل النظر إلى زينة وجهها من الوشمة والغمرة وزينة بدنها من الخضاب والخواتيم وكذا الثياب والسبب في تجويز النظر إليها أن تسترها فيه حرج لأن المرأة لا بد لها من مناولة الأشياء بيديها والحاجة إلى كشف وجهها في الشهادة والمحاكمة والنكاح
المسألة الثالثة اتفقوا على تخصيص قوله وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا بالحرائر دون الإماء والمعنى فيه ظاهر وهو أن الأمة مال فلا بد من الاحتياط في بيعها وشرائها وذلك لا يمكن إلا بالنظر إليها على الاستقصاء بخلاف الحرة
أما قوله تعالى وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ فالخمر واحدها خمار وهي المقانع قال المفسرون إن نساء الجاهلية كن يشددن خمرهن من خلفهن وإن جيوبهن كانت من قدام فكان ينكشف نحورهن وقلائدهن فأمرن أن يضربن مقانعهن على الجيوب ليتغطى بذلك أعناقهن ونحورهن وما يحيط به من شعر وزينة من الحلى في الأذن والنحر وموضع العقدة منها وفي لفظ الضرب مبالغة في الإلقاء والباء للإلصاق وعن عائشة رضي الله عنها ( ما رأيت خيراً من نساء الأنصار لما نزلت هذه الآية قامت كل واحدة


الصفحة التالية
Icon