في حقنا لقوله تعالى أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ولا يجوز حمل الهدى على الأصول لأن التقليد فيها غير جائز فوجب حمله على الفروع وثانيها قوله عليه الصلاة والسلام ( استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن أفضل أعمالكم الصلاة ) ويتمسك أيضاً بما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ( أفضل أعمال أمتي قراءة القرآن ) وثالثها أن النكاح مباح لقوله عليه الصلاة والسلام ( أحب المباحات إلى الله تعالى النكاح ) ويحمل الأحب على الأصلح في الدنيا لئلا يقع التناقض بين كونه أحب وبين كونه مباحاً والمباح ما استوى طرفاه في الثواب والعقاب والمندوب ما ترجح وجوده على عدمه فتكون العبادة أفضل ورابعها أن النكاح ليس بعبادة بدليل أنه يصح من الكافر والعبادة لا تصح منه فوجب أن تكون العبادة أفضل منه لقوله تعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ( الذاريات ٥٦ ) والاشتغال بالمقصود أولى وخامسها أن الله تعالى سوى بين التسري والنكاح ثم التسري مرجوح بالنسبة إلى العبادة ومساوى المرجوح مرجوح فالنكاح مرجوح وإنما قلنا إنه سوى بين التسري والنكاح لقوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَواحِدَة ً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ( النساء ٣ ) وذكر كلمة أو للتخيير بين الشيئين والتخيير بين الشيئين أمارة التساوي كقول الطبيب للمريض كل الرمان أو التفاح وإذا ثبت الاستواء فالتسري مرجوح ومساوى المرجوح مرجوح فالنكاح يجب أن يكون مرجوحاً وسادسها أن النافلة أشق فتكون أكثر ثواباً بيان أنها أشق أن ميل الطباع إلى النكاح أكثر ولولا ترغيب الشرع لما رغب أحد في النوافل وإذا ثبت أنها أشق وجب أن تكون أكثر ثواباً لقوله عليه الصلاة والسلام ( أفضل العبادات أحمزها ) وقوله ( ﷺ ) لعائشة ( أجرك على قدر نصبك ) وسابعها لو كان النكاح مساوياً للنوافل في الثواب مع أن النوافل أشق منه لما كانت النوافل مشروعة لأنه إذا حصل طريقان إلى تحصيل المقصود وكانا في الإفضاء إلى المقصود سيين وكان أحدهما شاقاً والآخر سهلاً فإن العقلاء يستقبحون تحصيل ذلك المقصود بالطريق الشاق مع المكنة من الطريق السهل ولما كانت النوافل مشروعة علمنا أنها أفضل وثامنها لو كان الاشتغال بالنكاح أولى من النافلة لكان الاشتغال بالحراثة والزراعة أولى من النافلة بالقياس على النكاح والجامع كون كل واحد منهما سبباً لبقاء هذا العالم ومحصلاً لنظامه وتاسعها أجمعنا على أنه يقدم واجب العبادة على واجب النكاح فيقدم مندوبها على مندوبه لاتحاد السبب وعاشرها أن النكاح اشتغال بتحصيل اللذات الحسية الداعية إلى الدنيا والنافلة قطع العلائق الجسمانية وإقبال على الله تعالى فأين أحدهما من الآخر ولذلك قال عليه الصلاة والسلام ( حبب إلي من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة ) فرجح الصلاة على النكاح حجة أبي حنيفة رحمه الله من وجوه الأول أن النكاح يتضمن صون النفس عن الزنا فيكون ذلك دفعاً للضرر عن النفس والنافلة جلب النفع ودفع الضرر أولى من جلب النفع الثاني أن النكاح يتضمن العدل والعدل أفضل من العبادة لقوله عليه الصلاة والسلام ( لعدل ساعة خير من عبادة ستين سنة ) الثالث النكاح سنة مؤكدة لقوله عليه الصلاة والسلام ( من رغب عن سنتي فليس مني ) وقال في الصلاة وإنها خير موضوع ( فمن شاء فليستكثر ومن شاء فليستقلل ) فوجب أن يكون النكاح أفضل
المسألة السادسة قوله تعالى وَأَنْكِحُواْ الايَامَى ( النور ٣٢ ) وإن كانت تتناول جميع الأيامى بحسب الظاهر