فكاتبوهم كقولك زيداً فاضربه ودخلت الفاء لتضمن معنى الشرط
المسألة الثانية الكتاب والكتابة كالعتاب والعتابة وفي اشتقاق لفظ الكتابة وجوه أحدها أن أصل الكلمة من الكتب وهو الضم والجمع ومنه الكتيبة سميت بذلك لأنها تضم النجوم بعضها إلى بعض وتضم ماله إلى ماله وثانيها يحتمل أن يكون اللفظ مأخوذاً من الكتاب ومعناه كتبت لك على نفسي أن تعتق مني إذا وفيت بالمال وكتبت لي على نفسك أن تفي لي بذلك أو كتبت لي كتاباً عليك بالوفاء بالمال وكتبت على العتق وهذا ما ذكره الأزهري وثالثها إنما سمي بذلك لما يقع فيه من التأجيل بالمال المعقود عليه لأنه لا يجوز أن يقع على مال هو في يد العبد حين يكاتب لأن ذلك مال لسيده اكتسبه في حال ما كانت يد السيد غير مقبوضة عن كسبه فلا يجوز لهذا المعنى أن يقع هذا العقد حالاً ولكنه يقع مؤجلاً ليكون متمكناً من الاكتساب وغيره حين ما انقبضت يد السيد عنه ثم من آداب الشريعة أن يكتب على من عليه المال المؤجل كتاب فسمى لهذا المعنى هذا العقد كتابً لما يقع فيه من الأجل قال تعالى لِكُلّ أَجَلٍ كِتَابٌ ( الرعد ٣٨ )
المسألة الثالثة قال محي السنة الكتابة أن يقول لمملوكه كاتبتك على كذا ويسمى مالاً معلوماً يؤديه في نجمين أو أكثر ويبين عدد النجوم وما يؤدي في كل نجم ويقول إذا أديت ذلك المال فأنت حر أو نوي ذلك بقلبه ويقول العبد قبلت وفي هذا الضبط أبحاث
البحث الأول قال الشافعي رحمه الله إن لم يقل بلسانه أو لم ينو بقلبه إذا أديت ذلك المال فأنت حر لم يعتق وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف ومحمد وزفر رحمهم الله لا حلاجة إلى ذلك حجة أبي حنيفة رحمه الله أن قوله تعالى فَكَاتِبُوهُمْ خال عن هذا الشرط فوجب أن تصح الكتابة بدون هذا الشرط وإذا صحت الكتابة وجب أن يعتق بالأداء للإجماع حجة الشافعي رحمه الله أن الكتابة ليست عقد معاوضة محضة لأن ما في يد العبد فهو ملك السيد والإنسان لا يمكنه بيع ملكه بملكه بل قوله كاتبتك كتابة في العتق فلا بد من لفظ العتق أو نيته
البحث الثاني لا تجوز الكتابة الحالة عند الشافعي وتجوز عند أبي حنيفة وجه قول الشافعي رحمه الله أن العبد لا يتصور له ملك يؤديه في الحال وإذا عقد حالاً توجهت المطالبة عليه في الحال فإذا عجز عن الأداء لم يحصل مقصود العقد كما لو أسلم في شيء لا يوجد عند المحل لا يصح بخلاف ما لو أسلم إلى معسر فإنه يجوز لأنه حين العقد يتصور أن يكون له ملك في الباطن فالعجز لا يتحقق عن أدائه وجه قول أبي حنيفة رحمه الله أن قوله تعالى فَكَاتِبُوهُمْ مطلق يتناول الكتابة الحالة والمؤجلة وأيضاً لما كان مال الكتابة بدلاً عن الرقبة كان بمنزلة أثمان السلع المبيعة فيجوز عاجلاً وآجلاً وأيضاً أجمعوا على جواز العتق معلقاً على مال حال فوجب أن تكون الكتابة مثله لأنه بدل عن العتق في الحالين إلا أن في أحدهما العتق معلق على شرط الأداء وفي الآخر معجل فوجب أن لا يختلف حكمهما
البحث الثالث قال الشافعي رحمه الله لا تجوز الكتابة على أقل من نجمين يروى ذلك عن علي وعثمان وابن عمر روى أن عثمان رضي الله عنه غضب على عبده فقال لأضيقن الأمر عليك ولأكاتبنك على نجمين ولو جاز على أقل من ذلك لكاتبه على الأقل لأن التضييق فيه أشد وإنما شرطنا التنجيم لأنه عقد