حالتي الطلوع والغروب وهذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة واختيار الفراء والزجاج قالا ومعناه لا شرقية وحدها ولا غربية وحدها ولكنها شرقية وغربية وهو كما يقال فلان لا مسافر ولا مقيم إذا كان يسافر ويقيم وهذا القول هو المختار لأن الشجرة متى كانت كذلك كان زيتها في نهاية الصفاء وحينئذ يكون مقصود التمثيل أكمل وأتم وخامسها المشكاة صدر محمد ( ﷺ ) والزجاجة قلبه والمصباح ما في قلبه ( ﷺ ) من الدين توقد من شجرة مباركة يعني واتبعوا ملة أبيكم إبراهيم صلوات الله عليه فالشجرة هي إبراهيم عليه السلام ثم وصف إبراهيم فقال لا شرقية ولا غربية أي لم يكن يصلي قبل المشرق ولا قبل المغرب كاليهود والنصارى بل كان عليه الصلاة والسلام يصلي إلى الكعبة
المسألة التاسعة وصف الله تعالى زيتها بأنه يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار لأن الزيت إذا كان خالصاً صافياً ثم رؤي من بعيد يرى كأن له شعاعاً فإذا مسه النار ازداد ضوأ على ضوء كذلك يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم فإذا جاءه العلم ازداد نوراً على نور وهدى على هدى قال يحيى بن سلام قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يبين له لموافقته له وهو المراد من قوله عليه الصلاة والسلام ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ) وقال كعب الأحبار المراد من الزيت نور محمد ( ﷺ ) أي يكاد نوره يبين للناس قبل أن يتكلم وقال الضحاك يكاد محمد ( ﷺ ) يتكلم بالحكمة قبل الوحي وقال عبدالله بن رواحة لو لم تكن فيه آيات مبينة
كانت بديهته تنبيك بالخبر
المسألة العاشرة قوله تعالى نُّورٌ عَلَى نُورٍ المراد ترادف هذه الأنوار واجتماعها قال أبي بن كعب المؤمن بين أربع خلال أن أعطى شكر وإن ابتلى صبر وإن قال صدق وإن حكم عدل فهو في سائر الناس كالرجل الحي الذي يمشي بين الأموات يتقلب في خمس من النور كلامه نور وعمله نور ومدخله نور ومخرجه نور ومصيره إلى النور يوم القيامة قال الربيع سألت أبا العالية عن مدخله ومخرجه فقال سره وعلانيته
المسألة الحادية عشرة قال الجبائي دلت الآية على أن كل من جهل فمن قبله أتى وإلا فالأدلة واضحة ولو نظروا فيها لعرفوا قال أصحابنا هذه الآية صريح مذهبنا فإنه سبحانه بعد أن بين أن هذه الدلائل بلغت في الظهور والوضوح إلى هذا الحد الذي لا يمكن الزيادة عليه قال يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء يعني وضوح هذه الدلائل لا يكفي ولا ينفع ما لم يخلق الله الإيمان ولا يمكن أن يكون المراد من قوله يَهْدِى اللَّهُ إيضاح الأدلة والبيانات لأنا لو حملنا النور على إيضاح الأدلة لم يجز حمل الهدى عليه أيضاً وإلا لخرج الكلام عن الفائدة فلم يبق إلا حمل الهدى ههنا على خلق العلم أجاب أبو مسلم بن بحر عنه من وجهين الأول أن قوله يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء محمول على زيادات الهدى الذي هو كالضد للخذلان الحاصل للضال الثاني أنه سبحانه يهدي لنوره الذي هو طريق الجنة من يشاء وشبهه بقوله يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ ( الحديد ١٢ ) وزيف القاضي عبد الجبار هذين الجوابين أما الأول فلأن الكلام المتقدم هو في ذكر الآيات المنزلة فإذا حلمناه على الهدى دخل الكل فيه وإذا حملناه على الزيادة لم يدخل فيه إلا البعض وإذا حمل على طريق الجنة لا يكون داخلاً فيه أصلاً إلا من حيث المعنى لا من حيث اللفظ ولما زيف هذين الجوابين قال الأولى أن يقال إنه تعالى هدى بذلك البعض دون البعض وهم الذين بلغهم حد التكليف