المسألة الأولى قرىء وترى بالضم تقول أريتك قائماً أو رأيتك قائماً والناس بالنصب والرفع أما النصب فظاهر وأما الرفع فلأنه جعل الناس اسم ما لم يسم فاعله وأنثه على تأويل الجماعة وقرىء سكرى وسكارى وهو نظير جوعى وعطشى في جوعان وعطشان سكارى وسكارى نحو كسالى وعجالى وعن الأعمش سكرى وسكرى بالضم وهو غريب
المسألة الثانية المعنى وتراهم سكارى على التشبيه وَمَا هُم بِسُكَارَى على التحقيق ولكن ما أرهقهم من هول عذاب الله تعالى هو الذي أذهب عقولهم وطير تمييزهم وقال ابن عباس والحسن ونراهم سكارى من الخوف وما هم بسكارى من الشراب فإن قلت لم قيل أولا ترون ثم قيل ترى على الإفراد قلنا لأن الرؤية أولاً علقت بالزلزلة فجعل الناس جميعاً رائين لها وهي معلقة آخراً بكون الناس على حال من السكر فلا بد وأن يجعل كل واحد منهم رائياً لسائرهم
المسألة الثالثة إن قيل أتقولون إن شدة ذلك اليوم تحصل لكل أحد أو لأهل النار خاصة قلنا قال قوم إن الفزع الأكبر وغيره يختص بأهل النار وإن أهل الجنة يحشرون وهم آمنون وقيل بل يحصل للكل لأنه سبحانه لا اعتراض لأحد عليه في شيء من أفعاله وليس لأحد عليه حق
وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ
وفيه مسائل
المسألة الأولى في كيفية النظم وجهان الأول أخبر تعالى فيما تقدم عن أهوال يوم القيامة وشدتها ودعا الناس إلى تقوى الله ثم بين في هذه الآية قوماً من الناس الذين ذكروا في الأول وأخبر عن مجادلتهم الثاني أنه تعالى بين أنه مع هذا التحذير الشديد بذكر زلزلة الساعة وشدائدها فإن من الناس من يجادل في الله بغير علم ثم في قوله وَمِنَ النَّاسِ وجهان الأول أنهم الذين ينكرون البعث ويدل عليه قوله أَوَ لَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَة ٍ ( يس ٧٧ ) إلى آخر الآية وأيضاً فإن ما قبل هذه الآية وصف البعث وما بعدها في الدلالة على البعث فوجب أن يكون المراد من هذه المجادلة هو المجادلة في البعث والثاني أنها نزلت في النضر بن الحرث كان يكذب بالقرآن ويزعم أنه أساطير الأولين ويقول ما يأتيكم به محمد كما كنت أحدثكم به عن القرون الماضية وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما
المسألة الثانية هذه الآية بمفهومها تدل على جواز المجادلة الحقة لأن تخصيص المجادلة مع عدم العلم بالدلائل يدل على أن المجادلة مع العلم جائزة فالمجادلة الباطلة هي المراد من قوله مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ ( الزخرف ٥٨ ) والمجادلة الحقة هي المراد من قوله وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِى َ أَحْسَنُ ( النحل ١٢٥ )
المسألة الثالثة في قوله وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ قولان أحدهما يجوز أن يريد شياطين الإنس وهم رؤساء الكفار الذين يدعون من دونهم إلى الكفر والثاني أن يكون المراد بذلك إبليس وجنوده قال الزجاج المريد والمارد المرتفع الأملس يقال صخرة مرداء أي ملساء ويجوز أن يستعمل في غير الشيطان إذا جاوز حد مثله
أما قوله كُتِبَ عَلَيْهِ ففيه وجهان أحدهما أن الكتبة عليه مثل أي كأنما كتب إضلال من عليه ورقم به لظهور ذلك في حاله والثاني كتب عليه في أم الكتاب واعلم أن هذه الهاء بعد ذكر من يجادل وبعد ذكر الشيطان يحتمل أن يكون راجعاً إلى كل واحد منهما فإن رجع إلى من يجادل فإنه يرجع إلى لفظه الذي هو موحد فكأنه قال كتب على من يتبع الشيطان أنه من تولى الشيطان أضله عن الجنة وهداه إلى النار وذلك زجر منه تعالى فكأنه تعالى قال كتب على من هذا حاله أنه يصير أهلاً لهذا الوعيد فإن رجع إلى الشيطان كان المعنى ويتبع كل شيطان مريد قد كتب عليه أنه من يقبل منه فهو في ضلال وعلى هذا الوجه أيضاً يكون زجراً عن اتباعه وفي الآية مسائل
المسألة الأولى قال القاضي عبد الجبار إذا قيل المراد بقوله كُتِبَ عَلَيْهِ قضى عليه فلا جائز أن يرد إلا إلى من يتبع الشيطان لأنه تعالى لا يجوز أن يقضي على الشيطان أنه يضل ويجوز أن يقضي على من يقبله بقوله قد أضله عن الجنة وهداه إلى النار قال أصحابنا رحمهم الله لما كتب ذلك عليه فلو لم يقع لانقلب خبر الله الصدق كذباً وذلك محال ومستلزم المحال محال فكان لا وقوعه محالاً
المسألة الثانية دلت الآية على أن المجادل في الله إن كان لا يعرف الحق فهو مذموم معاقب فيدل على أن المعارف ليست ضرورية
المسألة الثالثة قال القاضي فيه دلالة على أن المجادلة في الله ليست من خلق الله تعالى وبإرادته وإلا لما كانت مضافة إلى اتباع الشيطان وكان لا يصح القول بأن الشيطان يضله بل كان الله تعالى قد أضله