الإمامة فقيل له في ذلك فقال أخاف إن تركت الفاتحة أن يعاتبني الشافعي وإن قرأتها مع الإمام أن يعاتبني أبو حنيفة فاخترت الإمامة طلباً للخلاص عن هذا الاختلاف والله أعلم
الصفة الثالثة قوله تعالى وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ وفي اللغو أقوال أحدها أنه يدخل فيه كل ما كان حراماً أو مكروهاً أو كان مباحاً ولكن لا يكون بالمرء إليه ضرورة وحاجة وثانيها أنه عبارة عن كل ما كان حراماً فقط وهذا التفسير أخص من الأول وثالثها أنه عبارة عن المعصية في القول والكلام خاصة وهذا أخص من الثاني ورابعها أنه المباح الذي لا حاجة إليه واحتج هذا القائل بقوله تعالى لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ ( المائدة ٨٩ ) فكيف يحمل ذلك على المعاصي التي لا بد فيها من المؤاخذة واحتج الأولون بأن اللغو إنما سمي لغواً بما أنه يلغي وكل ما يقتضي الدين إلغاءه كان أولى باسم اللغو فوجب أن يكون كل حرام لغواً ثم اللغو قد يكون كفراً لقوله لاَ تَسْمَعُواْ لِهَاذَا الْقُرْءانِ وَالْغَوْاْ فِيهِ ( فصلت ٢٦ ) وقد يكون كذباً لقوله لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَة ً ( الغاشية ١١ ) وقوله لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً ( الواقعة ٢٥ ) ثم إنه سبحانه وتعالى مدحهم بأنهم يعرضون عن هذا اللغو والإعراض عنه هو بأن لا يفعله ولا يرضى به ولا يخالط من يأتيه وعلى هذا الوجه قال تعالى وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً ( الفرقان ٧٢ ) واعلم أنه سبحانه وتعالى لما وصفهم بالخشوع في الصلاة أتبعه الوصف بالإعراض عن اللغو ليجمع لهم الفعل والترك الشاقين على الأنفس الذين هما قاعدتا بناء التكليف وهو أعلم
الصفة الرابعة قوله تعالى وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَواة ِ فَاعِلُونَ وفي الزكاة قولان أحدهما قول أبي مسلم أن فعل الزكاة يقع على كل فعل محمود مرضي كقوله قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ( الأعلى ١٤ ) وقوله فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ ( النجم ٣٢ ) ومن جملته ما يخرج من حق المال وإنما سمى بذلك لأنها تطهر من الذنوب لقوله تعالى تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا ( التوبة ١٠٣ ) والثاني وهو قول الأكثرين أنه الحق الواجب في الأموال خاصة وهذا هو الأقرب لأن هذه اللفظة قد اختصت في الشرع بهذا المعنى فإن قيل إنه لا يقال في الكلام الفصيح إنه فعل الزكاة قلنا قال صاحب ( الكشاف ) الزكاة اسم مشترك بين عين ومعنى فالعين القدر الذي يخرجه المزكى من النصاب إلى الفقير والمعنى فعل المزكى الذي هو التزكية وهو الذي أراده الله تعالى فجعل المزكين فاعلين له ولا يسوغ فيه غيره لأنه ما من مصدر إلا يعبر عن معناه بالفعل ويقال لمحدثه فاعل يقال للضارب فاعل الضرب وللقاتل فاعل القتل وللمزكى فاعل الزكاة وعلى هذا الكلام كله يجوز أن يراد بالزكاة العين ويقدر مضاف محذوف وهو الأداء فإن قيل إن الله تعالى هناك لم يفصل بين الصلاة والزكاة فلم فصل ههنا بينهما بقوله وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ قلنا لأن الإعراض عن اللغو من متممات الصلاة
الصفة الخامسة قوله تعالى وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ وفيه سؤالات
السؤال الأول لم لم يقل إلا عن أزواجهم الجواب قال الفراء معناه إلا من أزواجهم وذكر صاحب ( الكشاف ) فيه ثلاثة أوجه أحدها أنه في موضع الحال أي إلا والين على أزواجهم أو قوامين عليهن من قولك كان فلان على فلانة ونظيره كان زياد على البصرة أي والياً عليها ومنه قولهم فلانة تحت فلان ومن ثم