يكتب هذه الآيات لرسول الله ( ﷺ ) فلما انتهى إلى قوله تعالى خَلْقاً ءاخَرَ عجب من ذلك فقال فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ فقال رسول الله ( ﷺ ) ( اكتب فهكذا نزلت ) فشك عبدالله وقال إن كان محمد صادقاً فيما يقول فإنه يوحى إلي كما يوحى إليه وإن كان كاذباً فلا خير في دينه فهرب إلى مكة فقيل إنه مات على الكفر وقيل إنه أسلم يوم الفتح وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية قال عمر بن الخطاب فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ فقال رسول الله ( ﷺ ) هكذا نزلت يا عمر وكان عمر يقول وافقني ربي في أربع في الصلاة خلف المقام وفي ضرب الحجاب على النسوة وقولي لهن لتنتهن أو ليبدلنه الله خيراً منكن فنزل قوله تعالى عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مّنكُنَّ ( التحريم ٥ ) والرابع قلت فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ فقال هكذا نزلت قال العارفون هذه الواقعة كانت سبب السعادة لعمر وسبب الشقاوة لعبد الله كما قال تعالى يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ( البقرة ٢٦ ) فإن قيل فعلى كل الروايات قد تكلم البشر ابتداء بمثل نظم القرآن وذلك يقدح في كونه معجزاً كما ظنه عبدالله والجواب هذا غير مستبعد إذا كان قدره القدر الذي لا يظهر فيه الإعجاز فسقطت شبهة عبدالله
المرتبة الثامنة قوله ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذالِكَ لَمَيّتُونَ قرأ ابن أبي عبلة وابن محيصن لمائتون والفرق بين الميت والمائت أن الميت كالحي صفة ثابتة وأما المائت فيدل على الحدوث تقول زيد ميت الآن ومائت غداً وكقولك يموت ونحوهما ضيق وضائق في قوله إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ( هود ١٢ )
المرتبة التاسعة قوله ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة ِ تُبْعَثُونَ فالله سبحانه جعل الإماتة التي هي إعدام الحياة والبعث الذي هو إعادة ما يفنيه ويعدمه دليلين أيضاً على اقتدار عظيم بعد الإنشاء والاختراع وههنا سؤالات
السؤال الأول ما الحكمة في الموت وهلا وصل نعيم الآخرة وثوابها بنعيم الدنيا فيكون ذلك في الأنعام أبلغ والجواب هذا كالمفسدة في حق المكلفين لأنه متى عجل للمرء الثواب فيما يتحمله من المشقة في الطاعات صار إتيانه بالطاعات لأجل تلك المنافع لا لأجل طاعة الله يبين ذلك أنه لو قيل لمن يصلي ويصوم إذا فعلت ذلك أدخلناك الجنة في الحال فإنه لا يأتي بذلك الفعل إلا لطلب الجنة فلاجرم أخره الله تعالى وبعده بالإماتة ثم الإعادة ليكون العبد عابداً لربه بطاعته لا لطلب الانتفاع
السؤال الثاني هذه الآية تدل على نفي عذاب القبر لأنه قال ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذالِكَ لَمَيّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة ِ تُبْعَثُونَ ولم يذكر بين الأمرين الإحياء في القبر والإماتة والجواب من وجهين الأول أنه ليس في ذكر الحياتين نفي الثالثة والثاني أن الغرض من ذكر هذه الأجناس الثلاثة الإنشاء والإماتة والإعادة والذي ترك ذكره فهو من جنس الإعادة
النوع الثاني من الدلائل الاستدلال بخلقة السموات وهو قوله تعالى وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ( المؤمنون ١٧ )
فقوله سَبْعَ طَرَائِقَ ( المؤمنون ١٧ ) أي سبع سموات وإنما قيل لها طرائق لتطارقها بمعنى كون بعضها فوق بعض


الصفحة التالية
Icon