صاخ الزمان بآل برمك صيحة
خروا لشدتها على الأذقان
والأول أولى لأنه هو الحقيقة
وأما قوله بِالْحَقّ فمعناه أنه دمرهم بالعدل من قولك فلان يقضي بالحق إذا كان عادلاً في قضاياه وقال المفضل بالحق أي بما لا يدفع كقوله وَجَاءتْ سَكْرَة ُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ
أما قوله فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء فالغثاء حميل السيل مما بلي واسود من الورق والعيدان ومنه قوله تعالى فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى
وأما قوله تعالى فَبُعْداً لّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ففيه مسألتان
المسألة الأولى قوله بُعْدًا وسحقاً ودمراً ونحوها مصادر موضوعة مواضع أفعالها وهي من جملة المصادر التي قال سيبويه نصبت بأفعال لا يستعمل إظهارها ومعنى بعداً بعدوا أي هلكوا يقال بعد بعداً وبعداً بفتح العين نحو رشد رشداً ورشداً بفتح الشين والله أعلم
المسألة الثانية قوله بُعْدًا بمنزلة اللعن الذي هو التبعيد من الخير والله تعالى ذكر ذلك على وجه الاستخفاف والإهانة لهم وقد نزل بهم العذاب دالاً بذلك على أن الذي ينزل بهم في الآخرة من البعد من النعيم والثواب أعظم مما حل بهم حالاً ليكون ذلك عبرة لمن يجيء بعدهم
القصة الثالثة
ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً ءَاخَرِينَ مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّة ٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأخِرُونَ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّة ً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ
إعلم أنه سبحانه يقص القصص في القرآن تارة على سبيل التفصيل كما تقدم وأخرى على سبيل الإجمال كههنا وقيل المراد قصة لوط وشعيب وأيوب ويوسف عليهم السلام
فأما قوله ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً ءاخَرِينَ فالمعنى أنه ما أخلى الديار من مكلفين أنشأهم وبلغهم حد التكليف حتى قاموا مقام من كان قبلهم في عمارة الدنيا
أما قوله مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّة ٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَخِرُونَ فيحتمل في هذا الأجل أن يكون المراد آجال حياتها وتكليفها ويحتمل آجال موتها وهلاكها وإن كان الأظهر في الأجل إذا أطلق أن يراد به وقت الموت فبين أن كل أمة لها آجال مكتوبة في الحياة والموت لا يتقدم ولا يتأخر منبهاً بذلك على أنه عالم بالأشياء قبل كونها فلا توجد إلا على وفق العلم ونظيره قوله تعالى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ


الصفحة التالية
Icon