في كون المضغة مخلقة وغير مخلقة لأنه بعد أن تمم خلقة البعض ونقص خلقة البعض لا يجب أن يتكامل ذلك بل فيه ما يقره الله في الرحم وفيه مالا يقره وإن كان قد أظهر فيه خلقة الإنسان فيكون من هذا الوجه قد دخل فيه السقط
أما قوله تعالى لّنُبَيّنَ لَكُمْ ففيه وجهان أحدهما لنبين لكم أن تغيير المضغة إلى المخلقة هو باختيار الفاعل المختار ولولاه لما صار بعضه مخلقاً وبعضه غير مخلق وثانيهما التقدير إن كنتم في ريب من البعث فإنا أخبرناكم أنا خلقناكم من كذا وكذا لنبين لكم ما يزيل عنكم ذلك الريب في أمر بعثكم فإن القادر على هذه الأشياء كيف يكون عاجزاً عن الإعادة
أما قوله تعالى وَنُقِرُّ فِى الاْرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فالمراد منه من يبلغه الله تعالى حد الولادة والأجل المسمى هو الوقت المضروب للولادة وهو آخر ستة أشهر أو تسعة أو أربع سنين أو كما شاء وقدر الله تعالى فإن كتب ذلك صار أجلاً مسمى المرتبة الخامسة قوله ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً وإنما وحد الطفل لأن الغرض الدلالة على الجنس ويحتمل أن يخرج كل واحد منكم طفلاً كقوله وَالْمَلَئِكَة ُ بَعْدَ ذالِكَ ظَهِيرٌ ( التحريم ٤ ) المرتبة السادسة قوله ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ والأشد كمال القوة والعقل والتمييز وهو من ألفاظ الجموع التي لم يستعمل لها واحد وكأنها شدة في غير شيء واحد فبنيت لذلك على لفظ الجمع والمراد والله أعلم ثم سهل في تربيتكم وأغذيتكم أموراً لتبلغوا أشدكم فنبه بذلك على الأحوال التي بين خروج الطفل من بطن أمه وبين بلوغ الأشد ويكون بين الحالتين وسائط وذكر بعضهم أنه ليس بين حال الطفولية وبين ابتداء حال بلوغ الأشد واسطة حتى جوز أن يبلغ في السن ويكون طفلاً كما يكون غلاماً ثم يدخل في الأشد المرتبة السابعة قوله وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً والمعنى أن منكم من يتوفى على قوته وكماله ومنكم من يرد إلى أرذل العمر وهو الهرم والخرف فيصير كما كان في أول طفوليته ضعيف البنية سخيف العقل قليل الفهم فإن قيل كيف قال لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً مع أنه يعلم بعض الأشياء كالطفل قلنا المراد أنه يزول عقله فيصير كأنه لا يعلم شيئاً لأن مثل ذلك قد يذكر في النفي لأجل المبالغة ومن الناس من قال هذه الحالة لا تحصل للمؤمنين لقوله تعالى ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وهو ضعيف لأن معنى قوله ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ( التين ٥ ) هو دلالة على الذم فالمراد به ما يجري مجرى العقوبة ولذلك قال إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ( التين ٦ ) فهذا تمام الاستدلال بحال خلقة الحيوان على صحة البعث الوجه الثاني الاستدلال بحال خلقة النبات على ذلك وهو قوله سبحانه وتعالى وَتَرَى الاْرْضَ هَامِدَة ً وهمودها يبسها وخلوها عن النبات والخضرة فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ والاهتزاز الحركة على سرور فلا يكاد يقال اهتز فلان لكيت وكيت إلا إذا كان الأمر من المحاسن والمنافع فقوله اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ أي تحركت بالنبات وانتفخت
أما قوله وَأَنبَتَتْ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ فهو مجاز لأن الأرض ينبت منها والله تعالى هو المنبت لذلك لكنه يضاف إليها توسعاً ومعنى مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ من كل نوع من أنواع النبات من زرع وغرس والبهجة حسن الشيء ونضارته والبهيج بمعنى المبهج قال المبرد وهو الشيء المشرق الجميل ثم إنه


الصفحة التالية
Icon