على الشيء وإنما قالوا نظل لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل واعلم أنه كان يكفيهم في الجواب أن يقولوا نعبد أصناماً ولكنهم ضموا إليه زيادة على الجواب وهي قولهم أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ وإنما ذكروا هذه الزيادة إظهاراً لما في نفوسهم من الابتهاج والافتخار بعبادة الأصنام فقال إبراهيم عليه السلام منبهاً على فساد مذهبهم هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قال صاحب ( الكشاف ) لا بد في يسمعونكم من تقدير حذف المضاف معناه هل يسمعون دعاءكم وقرأ قتادة هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ أي هل يسمعونكم الجواب عن دعائكم وهل يقدرون على ذلك وتقرير هذه الحجة التي ذكرها إبراهيم عليه السلام أن الغالب من حال من يعبد غيره أن يلتجىء إليه في المسألة ليعرف مراده إذا سمع دعاءه ثم يستجيب له في بذل منفعة أو دفع مضرة فقال لهم فإذا كان من تعبدونه لا يسمع دعاءكم حتى يعرف مقصودكم ولو عرف ذلك لما صح أن يبذل النفع أو يدفع الضرر فكيف تستجيزون أن تعبدوا ما هذا وصفه فعند هذه الحجة القاهرة لم يجد أبوه وقومه ما يدفعون به هذه الحجة فعدلوا إلى أن قالوا وَجَدْنَا ءابَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ وهذا من أقوى الدلائل على فساد التقليد ووجوب التمسك بالاستدلال إذ لو قلبنا الأمر فمدحنا التقليد وذممنا الاستدلال لكان ذلك مدحاً لطريقة الكفار التي ذمها الله تعالى وذماً لطريقة إبراهيم عليه السلام التي مدحها الله تعالى فأجابهم إبراهيم عليه السلام بقوله قَالَ أَفَرَءيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمُ أراد به أن الباطل لا يتغير بأن يكون قديماً أو حديثاً ولا بأن يكون في فاعلية كثرة أو قلة
أما قوله فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ ففيه أسئلة
السؤال الأول كيف يكون الصنم عدواً مع أنه جماد جوابه من وجهين أحدهما أنه تعالى قال في سورة مريم ( ٨٢ ) في صفة الأوثان كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً فقيل في تفسيره إن الله يحيي ما عبدوه من الأصنام حتى يقع منهم التوبيخ لهم والبراءة منهم فعلى هذا الوجه أن الأوثان ستصير أعداء لهؤلاء الكفار في الآخرة فأطلق إبراهيم عليه السلام لفظ العداوة عليهم على هذا التأويل وثانيها أن الكفار لما عبدوها وعظموها ورجوها في طلب المنافع ودفع المضار نزلت منزلة الأحياء العقلاء في اعتقاد الكفار ثم إنها صارت أسباباً لانقطاع الإنسان عن السعادة ووصوله إلى الشقاوة فلما نزلت هذه الأصنام منزلة الأحياء وجرت مجرى الدافع للمنفعة والجالب للمضرة لا جرم جرت مجرى الأعداء فلا جرم أطلق إبراهيم عليه السلام عليها لفظ العدو وثالثها المراد في قوله فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى عداوة من يعبدها فإن قيل فلم لم يقل إن من يعبد الأصنام عدو لي ليكون الكلام حقيقة جوابه لأن الذي تقدم ذكره ما عبدوه دون العابدين
السؤال لثاني لم قال فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى ولم يقل فإنها عدو لكم جوابه أنه عليه السلام صور المسألة في نفسه على معنى إني فكرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة للعدو فاجتنبتها ( وآثرت عبادة من الخير كله منه ) وأراهم ( بذلك ) أنها نصيحة نصح بها نفسه فإذا تفكروا قالوا ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه فيكون ذلك أدعى للقبول


الصفحة التالية
Icon