ما هو مطلوب كل عاقل من الخلاص عن العذاب والفوز بالثواب
واعلم أن إبراهيم عليه السلام جمع في هذه الألفاظ جميع نعم الله تعالى من أول الخلق إلى آخر الأبد في الدار الآخرة ثم ههنا أسئلة
السؤال الأول لم قال وَالَّذِى أَطْمَعُ والطمع عبارة عن الظن والرجاء وإنه عليه السلام كان قاطعاً بذلك جوابه أن هذا الكلام لا يستقيم إلا على مذهبنا حيث قلنا إنه لا يجب على الله لأحد شيء وأنه يحسن منه كل شيء ولا اعتراض لأحد عليه في فعله وأجاب الجبائي عنه من وجهين الأول أن قوله وَالَّذِى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى أراد به سائر المؤمنين لأنهم الذين يطمعون ولا يقطعون به الثاني المراد من الطمع اليقين وهو مروي عن الحسن وأجاب صاحب ( الكشاف ) بأنه إنما ذكره على هذا الوجه تعليماً منه لأمته كيفية الدعاء
واعلم أن هذه الوجوه ضعيفة أما الأول فلأن الله تعالى حكى عنه الثناء أولاً والدعاء ثانياً ومن أول المدح إلى آخر الدعاء كلام إبراهيم عليه السلام فجعل الشيء الواحد وهو قوله وَالَّذِى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدِينِ كلام غيره مما يبطل نظم الكلام ويفسده وأما الثاني وهو أن الطمع هو اليقين فهذا على خلاف اللغة وأما الثالث وهو أن الغرض منه تعليم الأمة فباطل أيضاً لأن حاصله يرجع إلى أنه كذب على نفسه لغرض تعليم الأمة وهو باطل قطعاً
السؤال الثاني لم أسند إلى نفسه الخطيئة مع أن الأنبياء منزعون عن الخطايا قطعاً وفي جوابه ثلاثة وجوه أحدها أنه محمول على كذب إبراهيم عليه السلام في قوله فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ ( الأنبياء ٦٣ ) وقوله إِنّى سَقِيمٌ ( الصافات ٨٩ ) وقوله لسارة ( إنها أختي ) وهو ضعيف لأن نسبة الكذب إليه غير جائزة وثانيها أنه ذكره على سبيل التواضع وهضم النفس وهذا ضعيف لأنه إن كان صادقاً في هذا التواضع فقد لزم الإشكال وإن كان كاذباً فحينئذ يرجع حاصل الجواب إلى إلحاق المعصية به لأجل تنزيهه عن المعصية وثالثها وهو الجواب الصحيح أن يحمل ذلك على ترك الأولى وقد يسمى ذلك خطأ فإن من ملك جوهرة وأمكنه أن يبيعها بألف ألف دينار فإن باعها بدينار قيل إنه أخطأ وترك الأولى على الأنبياء جائز
السؤال الثالث لم علق مغفرة الخطيئة بيوم الدين وإنما تغفر في الدنيا جوابه لأن أثرها يظهر يوم الدين وهو الآن خفي لا يعلم
السؤال الرابع ما فائدة ( لي ) في قوله يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى وجوابه من وجوه أحدها أن الأب إذا عفا عن ولده والسيد عن عبده والزوج عن زوجته فذلك في أكثر الأمر إنما يكون طلباً للثواب وهرباً عن العقاب أو طلباً لحسن الثناء والمحمدة أو دفعاً للألم الحاصل من الرقة الجنسية وإذا كان كذلك لم يكن المقصود من ذلك العفو رعاية جانب المعفو عنه بل رعاية جانب نفسه إما لتحصيل ما ينبغي أو لدفع ما لا ينبغي أما الإله سبحانه فإنه كامل لذاته فيستحيل أن تحدث له صفات كمال لم تكن أو يزول عنه نقصان كان وإذا كان كذلك لم يكن عفوه إلا رعاية لجانب المعفو عنه فقوله وَالَّذِى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى يعني هو الذي إذا غفر كان غفرانه لي ولأجلي لا لأجل أمر عائد إليه ألبتة وثانيها كأنه قال خلقتني لا لي فإنك حين خلقتني ما كنت موجوداً وإذا لم أكن موجوداً استحال تحصيل شيء لأجلي ثم مع هذا فأنت خلقتني أما لو عفوت كان


الصفحة التالية
Icon