وخرجوا عن حد العبودية وحاموا حول ادعاء الربوبية وكل ذلك ينبه على أن حب الدنيا رأس كل خطيئة وعنوان كل كفر ومعصية ثم لما ذكر هود عليه السلام هذه الأشياء قال فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ زيادة في دعائهم إلى الآخرة وزجراً لهم عن حب الدنيا والاشتغال بالسرف والحرص والتجبر ثم وصل بهذا الوعظ ما يؤكد القبول وهو التنبيه على نعم الله تعالى عليهم بالإجمال أولاً ثم التفصيل ثانياً فأيقظهم عن سنة غفلتهم عنها حيث قال أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ ثم فصلها من بعد بقوله أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ فبلغ في دعائهم بالوعظ والترغيب والتخويف والبيان النهاية فكان جوابهم سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مّنَ الْواعِظِينَ أظهروا قلة اكتراثهم بكلامه واستخفافهم بما أورده فإن قيل لو قال أوعظت أم لم تعظ كان أخصر والمعنى واحد جوابه ليس المعنى بواحد ( وبينهما فرق ) لأن المراد سواء علينا أفعلت هذا الفعل الذي هو الوعظ أم لم تكن أصلاً من أهله ( ومباشرته ) فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظه من قولك أم لم تعظ ثم احتجوا على قلة اكتراثهم بكلامه بقولهم إِنْ هَاذَا إِلاَّ خُلُقُ الاْوَّلِينَ فمن قرأ خُلُقُ الاْوَّلِينَ بالفتح فمعناه أن ما جئت به اختلاق الأولين وتخرصهم كما قالوا أَسَاطِيرُ الاْوَّلِينَ ( الأنعام ٢٥ ) أو ما خلقنا هذا إلا خلق القرون الخالية نحيا كحياتهم ونموت كمماتهم ولا بعث ولا حساب ومن قرأ خُلِقَ بضمتين وبواحدة فمعناه ما هذا الذي نحن عليه من الدين إلا خلق الأولين وعادتهم كانوا به يدينون ونحن بهم مقتدون أو ما هذا الذي نحن عليه من الحياة والموت إلا عادة لم يزل عليها الناس في قديم الدهر أو ما هذا الذي جئت به من الكذب إلا عادة الأولين كانوا يلفقون مثله ويسطرونه ثم قالوا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ أظهروا بذلك تقوية نفوسهم فيما تمسكوا به من إنكار المعاد فعند هذا بين الله تعالى أنه أهلكهم وقد سبق شرح كيفية الهلاك في سائر السور والله أعلم
القصة الخامسة قصة صالح عليه السلام
كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَآ أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِى َ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتُتْرَكُونَ فِى مَا هَاهُنَآ ءَامِنِينَ فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِى الأرض وَلاَ يُصْلِحُونَ قَالُوا إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِأايَة ٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ هَاذِهِ نَاقَة ٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُو ءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَة ً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ


الصفحة التالية
Icon