( العاديات ١٠ ) وثالثها قوله حكاية عن أهل النار لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ ( الملك ١٠ ) ومعلوم أن العقل في القلب والسمع منفذ إليه وقال إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولائِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ( الإسراء ٣٦ ) ومعلوم أن السمع والبصر لا يستفاد منهما إلا ما يؤديانه إلى القلب فكان السؤال عنهما في الحقيقة سؤالاً عن القلب وقال تعالى يَعْلَمُ خَائِنَة َ الاْعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ ( غافر ١٩ ) ولم تخف الأعين إلا بما تضمر القلوب عند التحديق بها ورابعها قوله وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالاْبْصَارَ وَالاْفْئِدَة َ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ( السجدة ٩ ) فخص هذه الثلاثة بإلزام الحجة منها واستدعاء الشكر عليها وقد قلنا لا طائل في السمع والأبصار إلا بما يؤديان إلى القلب ليكون القلب هو القاضي فيه والمتحكم عليه وقال تعالى وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَة ً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ ( الأحقاف ٢٦ ) فجعل هذه الثلاثة تمام ما ألزمهم من حجته والمقصود من ذلك هو الفؤاد القاضي فيما يؤدي إليه السمع والبصر وخامسها قوله تعالى خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ ( البقرة ٧ ) فجعل العذاب لازماً على هذه الثلاثة وقال لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا ( الأعراف ١٧٩ ) وجه الدلالة أنه قصد إلى نفي العلم عنهم رأساً فلو ثبت العلم في غير القلب كثباته في القلب لم يتم الغرض فهذه الآيات ومشاكلها ناطقة بأجمعها أن القلب هو المقصود بإلزام الحجة وقد بينا أن ما قرن بذكره من ذكر السمع والبصر فذلك لأنهما آلتان للقلب في تأدية صور المحسوسات والمسموعات
وأما الحديث فما روى النعمان بن بشير قال سمعته عليه السلام يقول ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) وأما المعقول فوجوه أحدها أن القلب إذا غشي عليه فلو قطع سائر الأعضاء لم يحصل الشعور به وإذا أفاق القلب فإنه يشعر بجميع ما ينزل بالأعضاء من الآفات فدل ذلك على أن سائر الأعضاء تبع للقلب ولذلك فإن القلب إذا فرح أو حزن فإنه يتغير حال الأعضاء عند ذلك وكذا القول في سائر الأعراض النفسانية وثانيها أن القلب منبع المشاق الباعثة على الأفعال الصادرة من سائر الأعضاء وإذا كانت المشاق مبادىء للأفعال ومنبعها هو القلب كان الآمر المطلق هو القلب وثالثها أن معدن العقل هو القلب وإذا كان كذلك كان الآمر المطلق هو القلب
أما المقدمة الأولى ففيها النزاع فإن طائفة من القدماء ذهبوا إلى أن معدن العقل هو الدماغ والذي يدل على قولنا وجوه الأول قوله تعالى أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِى الاْرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ( الحج ٤٦ ) وقوله لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ( الأعراف ١٧٩ ) وقوله إِنَّ فِى ذالِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ( ق ٣٧ ) أي عقل أطلق عليه اسم القلب لما أنه معدنه الثاني أنه تعالى أضاف أضداد العلم إلى القلب وقال فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ ( البقرة ١٠ ) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ( البقرة ٧ ) وقولهم قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ( النساء ١٥٥ ) يَحْذَرُ الْمُنَافِقِينَ إِن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَة ٌ تُنَبّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم ( التوبة ٦٤ ) يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ ( الفتح ١١ ) كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ( المطففين ١٤ ) أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا


الصفحة التالية
Icon