قليلة على آلام غير متناهية وعن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن في الطواف فقال له عظني فلم يزد على تلاوة هذه الآية فقال ميمون لقد وعظت فأبلغت وقرىء يُمَتَّعُونَ بالتخفيف ثم بين أنه لم يهلك قرية إلا وهناك نذير يقيم عليهم الحجة
أما قوله تعالى ذِكْرِى فقال صاحب ( الكشاف ) ذكرى منصوبة بمعنى تذكرة إما لأن أنذر وذكر متقاربان فكأنه قيل مذكرون تذكرة وإما لأنها حال من الضمير في مُنذِرُونَ أي ينذرونهم ذوي تذكرة وإما لأنها مفعول له على معنى أنهم ينذرون لأجل الموعظة والتذكرة أو مرفوعة عل أنها خبر مبتدأ محذوف بمعنى هذه ذكرى والجملة اعتراضية أو صفة بمعنى منذرون ذوو ذكرى وجعلوا ذكرى لإمعانهم في التذكرة وإطنابهم فيها ووجه آخر وهو أن يكون ذكرى متعلقة بأهلكنا مفعولاً له والمعنى وما أهلكنا من أهل قرية قوم ظالمين إلا بعد ما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ فنهلك قوماً غير ظالمين وهذا الوجه عليه المعول فإن قلت كيف عزلت الواو عن الجملة بعد إلا ولم تعزل عنه في قوله وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَة ٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ ( الحجر ٤ ) قلت الأصل عزل الواو لأن الجملة صفة لقرية وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف
وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنبَغِى لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ
اعلم أنه تعالى لما احتج على صدق محمد ( ﷺ ) بكون القرآن تنزيل رب العالمين وإنما يعرف ذلك لوقوعه من الفصاحة في النهاية القصوى ولأنه مشتمل على قصص المتقدمين من غير تفاوت مع أنه عليه السلام لم يشتغل بالتعلم والاستفادة فكان الكفار يقولون لم لا يجوز أن يكون هذا من إلقاء الجن والشياطين كسائر ما ينزل على الكهنة فأجاب الله تعالى عنه بأن ذلك لا يتسهل للشياطين لأنهم مرجومون بالشهب معزولون عن استماع كلام أهل السماء ولقائل أن يقول العلم بكون الشياطين ممنوعين عن ذلك لا يحصل إلا بواسطة خبر النبي الصادق فإذا أثبتنا كون محمد ( ﷺ ) صادقاً بفصاحة القرآن وإخباره عن الغيب ولا يمكن إثبات كون الفصاحة والإخبار عن الغيب معجزاً إلا إذا ثبت كون الشياطين ممنوعين عن ذلك لزم الدور وهو باطل وجوابه لا نسلم أن العلم بكون الشياطين ممنوعين عن ذلك لا يستفاد إلا من قول النبي وذلك لأنا نعلم بالضرورة أن الاهتمام بشأن الصديق أقوى من الاهتمام بشأن العدو ونعلم بالضرورة أن محمداً ( ﷺ ) كان يلعن الشياطين ويأمر الناس بلعنهم فلو كان هذا الغيب إنما حصل من إلقاء الشياطين لكان الكفار أولى بأن يحصل لهم مثل هذا العلم فكان يجب أن يكون اقتدار الكفار على مثله أولى فلما لم يكن كذلك علمنا أن الشياطين ممنوعون عن ذلك وأنهم معزولون عن تعرف الغيوب ثم إنه تعالى لما ذكر هذا الجواب ابتدأ بخطاب الرسول ( ﷺ ) فقال فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءاخَرَ وذلك في الحقيقة خطاب


الصفحة التالية
Icon