على نفعه وضره وقوله عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ أي على الذي يقهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم برحمته ثم أتبع كونه رحيماً على رسوله ما هو كالسبب لتلك الرحمة وهو قيامه وتقلبه في الساجدين وفيه وجوه أحدها المراد ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد وتقلبه في تصفح أحوال ( المجتهدين ) ليطلع على أسرارهم كما يحكى أنه حين نسخ فرض قيام الليل طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون لحرصه على ما يوجد منهم من الطاعات فوجدها كبيوت الزنابير لما يسمع منها من دندنتهم بذكر الله تعالى والمراد بالساجدين المصلين وثانيها المعنى يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة وتقلبه في الساجدين تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذ كان إماماً لهم وثالثها أنه لا يخفى عليه حالك كلما قمت وتقلبت مع الساجدين في كفاية أمور الدين ورابعها المراد تقلب بصره فيمن ( يلي ) خلفه من قوله ( ﷺ ) ( أتموا الركوع والسجود فوالله إني لأراكم من خلفي ) ثم قال إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ أي لما تقوله الْعَلِيمُ أي بما تنويه وتعمله وهذا يدل عى أن كونه سميعاً أمر مغاير لعلمه بالمسموعات وإلا لكان لفظ العليم مفيداً فائدته واعلم أنه قرىء ونقلبك
واعلم أن الرافضة ذهبوا إلى أن آباء النبي ( ﷺ ) كانوا مؤمنين وتمسكوا في ذلك بهذه الآية وبالخبر أما هذه الآية فقالوا قوله تعالى تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ يحتمل الوجوه التي ذكرتم ويحتمل أن يكون المراد أن الله تعالى نقل روحه من ساجد إلى ساجد كما نقوله نحن وإذا احتمل كل هذه الوجوه وجب حمل الآية على الكل ضرورة أنه لا منافاة ولا رجحان وأما الخبر فقوله عليه السلام ( لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ) وكل من كان كافراً فهو نجس لقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ( التوبة ٢٨ ) قالوا فإن تمسكتم على فساد هذا المذهب بقوله تعالى وَإِذْ قَالَ إِبْراهِيمُ لاِبِيهِ ءازَرَ ( الأنعام ٧٤ ) قلنا الجواب عنه أن لفظ الأب قد يطلق على العم كما قال أبناء يعقوب له نَعْبُدُ إِلَاهَكَ وَإِلَاهَ آبَائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ( البقرة ١٣٣ ) فسموا إسماعيل أباً له مع أنه كان عماً له وقال عليه السلام ( ردوا على أبي ) يعني العباس ويحتمل أيضاً أن يكون متخذاً لأصنام أب أمه فإن هذا قد يقال له الأب قال تعالى وَمِن ذُرّيَّتِهِ دَاوُودُ وَسُلَيْمَانَ إلى قوله وَعِيسَى ( الأنعام ٨٤ ٨٥ ) فجعل عيسى من ذرية إبراهيم مع أن إبراهيم كان جده من قبل الأم
واعلم أنا نتمسك بقوله تعالى لاِبِيهِ ءازَرَ وما ذكروه صرف للفظ عن ظاهره وأما حمل قوله وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ على جميع الوجوه فغير جائز لما بينا أن حمل المشترك على كل معانيه غير جائز وأما الحديث فهو خبر واحد فلا يعارض القرآن
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ


الصفحة التالية
Icon