العظيم فيها وهو تكليم الله موسى عليه السلام وجعله رسولاً وإظهار المعجزات عليه ولهذا جعل الله أرض الشام موسومة بالبركات في قوله وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الاْرْضِ الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ( الأنبياء ٧١ ) وحقت أن تكون كذلك فهي مبعث الأنبياء صلوات الله عليهم ومهبط الوحي وكفاتهم أحياء وأمواتاً
البحث الرابع أنه سبحانه جعل هذا القول مقدمة لمناجاة موسى عليه السلام فقوله بُورِكَ مَن فِى النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا يدل على أنه قد قضى أمر عظيم تنتشر البركة منه في أرض الشام كلها وقوله وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ فيه فائدتان إحداهما أنه سبحانه نزه نفسه عما لا يليق به في ذاته وحكمته ليكون ذلك مقدمة في صحة رسالة موسى عليه السلام الثانية أن يكون ذلك إيذاناً بأن ذلك الأمر مريده ومكونه رب العالمين تنبيهاً على أن الكائن من جلائل الأمور وعظائم الوقائع
أما قوله إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فقال صاحب ( الكشاف ) الهاء في ( إنه ) يجوز أن يكون ضمير الشأن و أَنَا اللَّهُ مبتدأ وخبر و العَزِيزُ الحَكِيمُ صفتان للخبر وأن يكون راجعاً إلى ما دل عليه ما قبله يعني أن مكلمك أنا والله بيان لأنا والعزيز الحكيم صفتان ( للتعيين ) وهذا تمهيد لما أراد أن يظهره على يده من المعجزة يريد أنا القوي القادر على ما يبعد من الأوهام كقلب العصا حية الفاعل ( كل ) ما أفعله بحكمة وتدبير فإن قيل هذا النداء يجوز أن يكون من عند غير الله تعالى فكيف علم موسى عليه السلام أنه من الله جوابه لأهل السنة فيه طريقان الأول أنه سمع الكلام المنزه عن مشابهة الحروف والأصوات فعلم بالضرورة أنه صفة الله تعالى الثاني قول أئمة ما وراء النهر وهو أنه عليه السلام سمع الصوت من الشجرة فنقول إنما عرف أن ذلك من الله تعالى لأمور أحدها أن النداء إذا حصل في النار أو الشجرة علم أنه من قبل الله تعالى لأن أحداً منا لا يقدر عليه وهو ضعف لاحتمال أن يقال الشيطان دخل في النار والشجرة ثم نادى وثانيها يجوز في نفس النداء أن يكون قد بلغ في العظم مبلغاً لا يكون إلا معجزاً وهو أيضاً ضعيف لأنا لا نعرف مقادير قوى الملائكة والشياطين فلا قدر إلا ويجوز صدوره منهم وثالثها أنه قد اقترن به معجز دل على ذلك فقيل إن النار كانت مشتعلة في شجرة خضراء لم تحترق فصار ذلك كالمعجز وهذا هو الأصح والله أعلم
وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يامُوسَى لاَ تَخَفْ إِنِّى لاَ يَخَافُ لَدَى َّ الْمُرْسَلُونَ إَلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُو ءٍ فَإِنِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُو ءٍ فِى تِسْعِ ءَايَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ ءَايَاتُنَا مُبْصِرَة ً قَالُواْ هَاذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة ُ الْمُفْسِدِينَ


الصفحة التالية
Icon