وثانيها أنه تفقده لأن مقاييس الماء كانت إليه وكان يعرف الفصل بين قريبه وبعيده فلحاجة سليمان إلى ذلك طلبه وتفقده وثالثها أنه كان يظله من الشمس فلما فقد ذلك تفقده
أما قوله فَقَالَ مَالِيَ لِى َ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ فأم هي المنقطعة نظر إلى مكان الهدهد فلم يبصره فقال ما لي لا أراه على معنى أنه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره أو غير ذلك ثم لاح له أنه غائب فأضرب عن ذلك وأخذ يقول أهو غائب كأنه يسأل عن صحة ما لاح له ومثله قولهم إنها لإبل أم شاء
أما قوله لاعَذّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لاَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنّى بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ فهذا لا يجوز أن يقوله إلا فيمن هو مكلف أو فيمن قارب العقل فيصلح لأن يؤدب ثم اختلفوا في قوله لاعَذّبَنَّهُ فقال ابن عباس إنه نتف الريش والإلقاء في الشمس وقيل أن يطلى بالقطران ويشمس وقيل أن يلقى للنمل فتأكله وقيل إيداعه القفص وقيل التفريق بينه وبين إلفه وقيل لألزمنه صحبة الأضداد وعن بعضهم أضيق السجون معاشرة الأضداد وقيل لألزمنه خدمة أقرانه
أما قوله فَمَكَثَ فقد قرىء بفتح الكاف وضمها غَيْرَ بَعِيدٍ ( غير زمان بعيد ) كقولك عن قريب ووصف مكثه بقصر المدة للدلالة على إسراعه خوفاً من سليمان وليعلم كيف كان الطير مسخراً له
أما قوله أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ففيه تنبيه لسليمان على أن في أدنى خلق الله تعالى من أحاط علماً بما لم يحط به فيكون ذلك لطفاً في ترك الإعجاب والإحاطة بالشيء علماً أن يعلم من جميع جهاته
أما قوله وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ فاعلم أن سبأ قرىء بالصرف ومنعه وقد روي بسكون الباء وعن ابن كثير في رواية سبا بالألف كقولهم ذهبوا أيدي سبا وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان فمن جعله اسماً للقبيلة لم يصرف ومن جعله اسماً للحي أو للأب الأكبر صرف ثم سميت مدينة مأرب بسبأ وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام والنبأ الخبر الذي له شأن
وقوله مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ من محاسن الكلام الذي يتعلق باللفظ وشرط حسنه صحة المعنى ولقد جاء ههنا زائداً على الصحة فحسن لفظاً ومعنى ألا ترى أنه لو وضع مكان ( بنبأ ) بخبر لكان المعنى صحيحاً ولكن لفظ النبأ أولى لما فيه من الزيادة التي يطابقها وصف الحال
أما قوله إِنّى وَجَدتُّ امْرَأَة ً تَمْلِكُهُمْ فالمرأة بلقيس بنت شراحيل وكان أبوها ملك أرض اليمن وكانت هي وقومها مجوساً يعبدون الشمس والضمير في تملكهم راجع إلى سبأ فإن أريد به القوم فالأمر ظاهر وإن أريدت المدين فمعناه تملك أهلها
وأما قوله وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَى ْء ففيه سؤال وهو أنه كيف قال وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَى ْء مع قول سليمان وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَى ْء ( النمل ١٦ ) فكأن الهدهد سوى بينهما جوابه أن قول سليمان عليه السلام يرجع إلى ما أوتي من النبوة والحكمة ثم إلى الملك وأسباب الدنيا وأما قول الهدهد فلم يكن إلا إلى ما يتعلق بالدنيا
وأما قوله وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ففيه سؤال وهو أنه كيف استعظم الهدهد عرشها مع ما كان يرى من ملك سليمان وأيضاً فكيف سوى بين عرش بلقيس وعرش الله تعالى في الوصف بالعظيم والجواب عن


الصفحة التالية
Icon