اختلفوا فيه فقيل يعدلون عن هذا الحق الظاهر وقيل يعدلون بالله سواه ونظير هذه الآية أول سورة الإنعام
المسألة الثالثة يقال ما حكمة الالتفات في قوله فَأَنبَتْنَا جوابه أنه لا شبهة للعاقل في أن خالق السموات والأرض ومنزل الماء من السماء ليس إلا الله تعالى وربما عرضت الشبهة في أن منبت الشجرة هو الإنسان فإن الإنسان يقول أنا الذي ألقى البذر في الأرض الحرة وأسقيها الماء وأسعى في تشميسها وفاعل السبب فاعل للمسبب فإذن أنا المنبت للشجرة فلما كان هذا الاحتمال قائماً لا جرم أزال هذا الاحتمال فرجع من لفظ الغيبة إلى قوله فَأَنبَتْنَا وقال مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا لأن الإنسان قد يأتي بالبذر والسقي والكرب والتشميس ثم لا يأتي على وفق مراده والذي يقع على وفق مراده فإنه يكون جاهلاً بطبعه ومقداره وكيفيته فكيف يكون فاعلاً لها فلهذه النكتة حسن الالتفات ههنا
النوع الثاني ما يتعلق بالأرض
أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِى َ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَءِلاهٌ مَّعَ الله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
قال صاحب ( الكشاف ) أَمَّن جَعَلَ وما بعده بدل من أَمَّنْ خَلَقَ ( النمل ٦ ) فكان ( حكمها ) حكمه
واعلم أنه تعالى ذكر من منافع الأرض أموراً أربعة
المنفعة الأولى كونها قراراً وذلك لوجوه الأول أنه دحاها وسواها للاستقرار الثاني أنه تعالى جعلها متوسطة في الصلابة والرخاوة فليست في الصلابة كالحجر الذي يتألم الإنسان بالاضطجاع عليه وليست في الرخاوة كالماء الذي يغوص فيه الثالث أنه تعالى جعلها كثيفة غبراء ليستقر عليها النور ولو كانت لطيفة لما استقر النور عليها ولو لم يستقر النور عليها لصارت من شدة بردها بحيث تموت الحيوانات الرابع أنه سبحانه جعل الشمس بسبب ميل مدارها عن مدار منطقة الكل بحيث تبعد تارة وتقرب أخرى من سمت الرأس ولولا ذلك لما اختلفت الفصول ولما حصلت المنافع الخامس أنه سبحانه وتعالى جعلها ساكنة فإنها لو كانت متحركة لكانت إما متحركة على الاستقامة أو على الاستدارة وعلى التقديرين لا يحصل الانتفاع بالسكنى على الأرض السادس أنه سبحانه جعلها كفاتاً للأحياء والأموات وأنه يطرح عليها كل قبيح ويخرج منها كل مليح
المنفعة الثانية الأرض قوله وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَاراً فاعلم أن أقسام المياه المنبعثة عن الأرض أربعة الأول ماء العيون السيالة وهي تنبعث من أبخرة كثيرة المادة قوية الاندفاع تفجر الأرض بقوة ثم لا يزال يستتبع جزء منها جزءاً الثاني ماء العيون الراكدة وهي تحدث من أبخرة بلغت من قوتها أن اندفعت


الصفحة التالية
Icon