النوع الخامس ما يتعلق بالحشر والنشر
أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ والأرض أَءِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
اعلم أنه تعالى لما عدد نعم الدنيا أتبع ذلك بنعم الآخرة بقوله أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ لأن نعم الآخرة بالثواب لا تتم إلا بالإعادة بعد الابتداء والإبلاغ إلى حد التكليف فقد تضمن الكلام كل هذه النعم ومعلوم أنها لا تتم إلا بالأرزاق فلذلك قال وَمَن يَرْزُقُكُم مّنَ السَّمَاء والاْرْضِ ثم قال مَّعَ الله بَلْ منكراً لما هم عليه ثم بين بقوله قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ أن لا برهان لكم فإذن هم مبطلون وهذا يدل على أنه لا بد في الدعوى من وعلى فساد التقليد فإن قيل كيف قيل لهم أَم مَّنْ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وهم منكرون للإعادة جوابه كانوا معترفين بالابتداء ودلالة الابتداء على الإعادة دلالة ظاهرة قوية فلما كان الكلام مقروناً بالدلالة الظاهرة صاروا كأنهم لم يبق لهم عذر في الإنكار وههنا آخر الدلائل المذكورة على كمال قدرة الله تعالى
قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى السَّمَاواتِ والأرض الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ بَلِ ادَارَكَ عِلْمُهُمْ فِى الاٌّ خِرَة ِ بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ
اعلم أنه تعالى لما بين أنه المختص بالقدرة فكذلك بين أنه هو المختص بعلم الغيب وإذا ثبت ذلك ثبت أنه هو الإله المعبود لأن الإله هو الذي يصح منه مجازاة من يستحق الثواب على وجه لا يلتبس بأهل العقاب فإن قيل الاستثناء حكمه إخراج ما لولاه لوجب أو لصح دخوله تحت المستثنى منه ودلت الآية ههنا على استثناء الله سبحانه وتعالى عمن في السموات والأرض فوجب كونه ممن في السموات والأرض وذلك يوجب كونه تعالى في المكان والجواب هذه الآية متروكة الظاهر لأن من قال إنه تعالى في المكان زعم أنه فوق السموات ومن قال إنه ليس في مكان فقد نزهه عن كل الأمكنة فثبت بالإجماع أنه تعالى ليس في السموات والأرض فإذن وجب تأويله فنقول إنه تعالى ممن في السموات والأرض كما يقول المتكلمون الله تعالى في كل مكان على معنى أن علمه في الأماكن كلها لا يقال إن كونه في السموات والأرض مجاز وكونهم فيهن حقيقة وإرادة المتكلم بعبارة واحدة ومجازاً غير جائزة لأنا نقول كونهم في السموات والأرض كما أنه حاصل حقيقة وهو حصول ذواتهم في الأحياز فكذلك حاصل مجازاً وهو كونهم عالمين


الصفحة التالية
Icon