السؤال الأول لم لم يقل كيف كانت عاقبة المجرمين جوابه لأن تأنيثها غير حقيقي ولأن المعنى كيف كان آخر أمرهم
السؤال الثاني لم لم يقل عاقبة الكافرين جوابه الغرض أن يحصل التخويف لكل العصاة ثم إنه تعالى صبر رسوله على ما يناله من هؤلاء الكفار فقال وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِى ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ فجمع بين إزالة الغم عنه بكفرهم وبين إزالة الخوف من جانبهم وصار ذلك كالتكفل بنصرته عليهم وقوله وَلاَ تَكُن فِى ضَيْقٍ أي في حرج قلب يقال ضاق الشيء ضيقاً وضيقاً بالفتح والكسر والضيق تخفيف الضيق ويجوز أن يراد في أمر ضيق من مكرهم الوجه الثاني للكفار قولهم مَتَى هَاذَا الْوَعْدُ وقوله إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ دل على أنهم ذكروا ذلك على سبيل السخرية فأجاب الله تعالى بقوله عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِى تَسْتَعْجِلُونَ وهو عذاب يوم بدر فزيدت اللام للتأكيد كالباء في وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ ( البقرة ١٩٥ ) أو ضمن معنى فعل يتعدى باللام نحو دنا لكم وأزف لكم ومعناه تبعكم ولحقكم وقرأ الأعرج رَدِفَ لَكُم بوزن ذهب وهما لغتان والكسر أفصح وههنا بحثان
البحث الأول أن عسى ولعل في وعد الملوك ووعيدهم يدلان على صدق الأمر وإنما يعنون بذلك إظهار وقارهم وأنهم لا يعجلون بالانتقام لوثوقهم بأن عدوهم لا يفوتهم فعلى ذلك جرى وعد الله ووعيده
الثاني أنه قد ثبت بالدلائل العقلية أن عذاب الحجاب أشد من عذاب النار ولذلك قال كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ الْجَحِيمِ ( المطففين ١٥ ١٦ ) فقدم الحجاب على الجحيم ثم إنهم كانوا محجوبين في الحال فكان سبب العذاب بكماله حاصلاً إلا أن الاشتغال بالدنيا ولذاتها كالعائق عن إدراك ذلك الألم كما أن العضو الخدر إذا مسته النار فإن سبب الألم حاصل في الحال لكنه لا يحصل الشعور بذلك الألم لقيام العائق فإذا زال العائق عظم البلاء فكذا ههنا إذا زال البدن عظم عذاب الحجاب فقوله سبحانه عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِى تَسْتَعْجِلُونَ يعني المقتضي له والمؤثر فيه حاصل وتمامه إنما يحصل بعد الموت ثم إنه سبحانه بين السبب في ترك تعجيل العذاب فقال وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ والفضل الإفضال ومعناه أنه متفضل عليهم بتأخير العقوبة وأكثرهم لا يعرفون هذه النعمة ولا يشكرونها وهذه الآية تبطل قول من قال إنه لا نعمة لله على الكفار ثم بين سبحانه أنه مطلع على ما في قلوبهم فقال وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ وههنا بحث عقلي وهو أنه قدم ما تكنه صدورهم على ما يعلنون من العلم والسبب أن ما تكنه صدورهم هو الدواعي والقصود وهي أسباب لما يعلنون وهي أفعال الجوارح والعلم بالعلة علة للعلم بالمعلول فهذا هو السبب في ذلك التقديم قرىء ( تكن ) يقال كننت الشيء وأكننته إذا سترته وأخفيته يعني أنه تعالى يعلم ما يخفون وما يعلنون من عداوة الرسول ومكايدهم
أما قوله وَمَا مِنْ غَائِبَة ٍ فقال صاحب ( الكشاف ) سمى الشيء الذي يغيب ويخفى غائبة وخافية فكانت التاء فيها بمنزلتها في العاقبة والعافية والنطيحة والذبيحة والرمية في أنها أسماء غير صفات ويجوز أن يكونا صفتين وتاؤهما للمبالغة كالراوية في قولهم ويل للشاعر من راوية السوء كأنه تعالى قال وما من شيء شديد الغيبوبة والخفاء إلا وقد علمه الله تعالى وأحاط به وأثبته في اللوح المحفوظ والمبين الظاهر البين لمن ينظر فيه من الملائكة


الصفحة التالية
Icon