أنها لشدة ثقتها بوعد الله لم تخف عند إظهار اسمه وأيقنت أنها وإن أظهرت فإنه يسلم لأجل ذلك الوعد إلا أنه كان في المعلوم أن الإظهار يضر فربط الله على قلبها ويحتمل قوله إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا بالوحي فأمنت وزال عن قلبها الحزن فعلى هذا الوجه يصح أن يتأول على أن قلبها سلم من الحزن على موسى أصلاً وفيه وجه ثالث وهو أنها سمعت أن امرأة فرعون عطفت عليه وتبنته إن كادت لتبدي به بأنه ولدها لأنها لم تملك نفسها فرحاً بما سمعت لولا أن سكنا ما بها من شدة الفرح والابتهاج لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الواثقين بوعد الله تعالى لا يتبنى امرأة فرعون اللعين وبعطفها وقرىء ( قرعاً ) أي خالياً من قولهم أعوذ بالله من صفر الإناء وقرع الفناء وفرغاً من قولهم دماؤهم بينهم فرغ أي هدر يعني بطل قلبها من شدة ما ورد عليها
أما قوله إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ فاعلم أن على قول من فسر الفراغ بالفراغ من الحزن قد ذكرنا تفسير قوله إِن كَادَتْ لَتُبْدِى وأما على قول من فسر الفراغ بحصول الخوف فذكروا وجوهاً أحدها قال ابن عباس كادت تخبر بأن الذي وجدتموه ابني وقال في رواية عكرمة كادت تقول واإبناه من شدة وجدها به وذلك حين رأت الموج يرفع ويضع وقال الكلبي ذلك حين سمعت الناس يقولون إنه ابن فرعون وقال السدي لما أخذ ابنها كادت تقول هو ابني فعصمها الله تعالى ثم قال لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا بإلهام الصبر كما يربط على الشيء المتفلت ليستقر ويطمئن لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ من المصدقين بوعد الله وهو قوله إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ ( القصص ٧ )
أما قوله وَقَالَتْ لاخْتِهِ قُصّيهِ أي اتبعي أثره وانظري إلى أن وقع وإلى من صار وكانت أخته لأبيه وأمه واسمها مريم فَبَصُرَتْ بِهِ قال ابن عباس رضي الله عنهما أبصرته قال المبرد أبصرته وبصرت به بمعنى واحد وقوله عَن جُنُبٍ أي عن بعد وقرىء عن جانب وعن جنب والجنب الجانب أي نظرت نظرة مزورة متجانبة وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ بحالها وغرضها
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَى ْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
اعلم أن قوله وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ يقتضي تحريمها من قبله فإذا لم يصح بالتعبد والنهي لتعذر التمييز فلا بد من فعل سواه وذلك الفعل يحتمل أنه تعالى مع حاجته إلى اللبن أحدث فيه نفار الطبع عن لبن سائر النساء فلذلك لم يرضع أو أحدث في لبنهن من الطعم ما ينفر عنه طبعه أو وضع في لبن أمه


الصفحة التالية
Icon