معجزة أخرى والمراد بالجناح اليد لأن يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضده اليسرى فقد ضم جناحه إليه الثاني أن يراد بضم جناحه إليه تجلده وضبطه نفسه وتشدده عند انقلاب العصا حية حتى لا يضطرب ولا يرهب استعاره من فعل الطائر لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما وإلا فجناحاه مضمومان إليه مشمران ومعنى قوله مِنَ الرَّهْبِ من أجل الرهب أي إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك وقوله اسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ على أحد التفسيرين واحد ولكن خولف بين العبارتين وإنما كرر المعنى الواحد لاختلاف الغرضين وذلك أن الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء وفي الثاني إخفاء الرهب فإن قيل قد جعل الجناح وهو اليد في أحد الموضعين مضموماً وفي الآخر مضموماً إليه وذلك قوله وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ وقوله وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ ( طه ٢٢ ) فما التوفيق بينهما قلنا المراد بالجناح المضموم هو اليد اليمنى وبالمضموم إليه اليد اليسرى وكل واحدة من يمنى اليدين ويسراهما جناح هذا كله كلام صاحب ( الكشاف ) وهو في نهاية الحسن
أما قوله تعالى فَذَانِكَ قرىء مخففاً ومشدداً فالمخفف مثنى ( ذا ) والمشدد مثنى ( ذان ) قوله بُرْهَانَانِ مِن رَّبّكَ حجتان نيرتان على صدقه في النبوة وصحة ما دعاهم إليه من التوحيد وظاهر الكلام يقتضي أنه تعالى أمره بذلك قبل لقاء فرعون حتى عرف ما الذي يظهره عنده من المعجزات لأنه تعالى حكى بعد ذلك عن موسى عليه السلام أنه قال إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ( القصص ٣٣ ) قال القاضي وإذا كان كذلك فيجب أن يكون في حال ظهور البرهانين هناك من دعاه إلى رسالته من أهله أو غيرهم إذا المعجزات إنما تظهر على الرسل في حال الإرسال لا قبله وإنما تظهر لكي يستدل بها غيرهم على الرسالة وهذا ضعيف لأنه ثبت أنه لا بد في إظهار المعجزة من حكمة ولا حكمة أعظم من أن يستدل بها الغير على صدق المدعي وأما كونه لا حكمة ههنا فلا نسلم فلعل هناك أنواعاً من الحكم والمقاصد سوى ذلك لا سيما وهذه الآيات متطابقة على أنه لم يكن هناك مع موسى عليه السلام أحد
قَالَ رَبِّ إِنِّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ وَأَخِى هَرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّى لِسَاناً فَأَرْسِلْهِ مَعِى َ رِدْءاً يُصَدِّقُنِى إِنِّى أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِأايَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَى بِأايَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَاذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَاذَا فِى ءَابَآئِنَا الاٌّ وَّلِينَ وَقَالَ مُوسَى رَبِّى أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَة ُ الدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ


الصفحة التالية
Icon