اختصت خاتمتها بالخير بهذه التسمية دون خاتمتها بالشر قلنا إنه قد وضع الله سبحانه الدنيا مجازاً إلى الآخرة وأمر عباده أن لا يعملوا فيها إلا الخير ليبلغوا خاتمة الخير وعاقبة الصدق فمن عمل فيها خلاف ما وضعها الله له فقد حرف فإذن عاقبتها الأصلية هي عاقبة الخير وأما عاقبة السوء فلا اعتداد بها لأنها من نتائج تحريف الفجار ثم إنه عليه السلام أكد ذلك بقوله بِئَايَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ والمراد أنهم لا يظفرون بالفوز والنجاة والمنافع بل يحصلون على ضد ذلك وهذا نهاية في زجرهم عن العناد الذي ظهر منهم
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ياأَيُّهَا الْملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَاهٍ غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى ياهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّى صَرْحاً لَّعَلِّى أَطَّلِعُ إِلَى إِلَاهِ مُوسَى وَإِنِّى لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِى الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة ُ الظَّالِمِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّة ً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَة ِ لاَ يُنصَرُونَ وَأَتْبَعْنَاهُم فِى هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَة ً وَيَوْمَ القِيَامَة ِ هُمْ مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الاٍّ ولَى بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَة ً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
اعلم أن فرعون كانت عادته متى ظهرت حجة موسى أن يتعلق في دفع تلك الحجة بشبهة يروجها على أغمار قومه وذكر ههنا شبهتين الأولى قوله مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَاهٍ غَيْرِى وهذا في الحقيقة يشتمل على كلامين أحدهما نفى إله غيره والثاني إثبات إلهية نفسه فأما الأول فقد كان اعتماده على أن ما لا دليل عليه لم يجز إثباته أما أنه لا دليل عليه فلأن هذه الكواكب والأفلاك كافية في اختلاف أحوال هذا العالم السفلي فلا حاجة إلى إثبات صانع وأما أن ما لا دليل عليه لم يجز إثباته فالأمر فيه ظاهر
واعلم أن المقدمة الأولى كاذبة فإنا لا نسلم أنه لا دليل على وجود الصانع وذلك لأنا إذا عرفنا بالدليل حدوث الأجسام عرفنا حدوث الأفلاك والكواكب وعرفنا بالضرورة أن المحدث لا بد له من محدث فحينئذ


الصفحة التالية
Icon