بخل به قيل للسائل جعلت فلاناً بخيلاً أي قد بخلته وقال أبو مسلم معنى الإمامة التقدم فلما عجل الله تعالى لهم العذاب صاروا متقدمين لمن وراءهم من الكافرين واعلم أن الكلام فيه قد تقدم في سورة مريم ( ٨٣ ) في قوله أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ ومعنى دعوتهم إلى النار دعوتهم إلى موجباتها من الكفر والمعاصي فإن أحداً لا يدعو إلى النار ألبتة وإنما جعلهم الله تعالى أئمة في هذا الباب لأنهم بلغوا في هذا الباب أقصى النهايات ومن كان كذلك استحقق أن يكون إماماً يقتدى به في ذلك الباب ثم بين تعالى أن ذلك العقاب سينزل بهم على وجه لا يمكن التخلص منه وهو معنى قوله وَيَوْمَ الْقِيامَة ِ لاَ يُنصَرُونَ أو يكون معناه ويوم القيامة لاينصرون كما ينصر الأئمة الدعاة إلى الجنة
أما قوله وَأُتْبِعُواْ فِى هَاذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَة ً معناه لعنة الله والملائكة لهم وأمره تعالى بذلك فيها للمؤمنين وبين أنهم يوم القيامة من المقبوحين أي المبعدين الملعونين والقبح هو الإبعاد قال الليث يقال قبحه الله أي نحاه عن كل خير وقال ابن عباس رضي الله عنهما من المشئومين بسواد الوجه وزرقة العين وعلى الجملة فالأولون حملوا القبح على القبح الروحاني وهو الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى والباقون حملوه على القبح في الصور وقيل فيه إنه تعالى يقبح صورهم ويقبح عليهم عملهم ويجمع بين الفضيحتين ثم بين تعالى أن الذي يجب التمسك به ما جاء به موسى عليه السلام فقال وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الاْولَى والكتاب هو التوراة ووصفه تعالى بأنه بصائر للناس من حيث يستبصر به في باب الدين وهدى من حيث يستدل به ومن حيث إن المتمسك به يفوز بطلبته من الثواب ووصفه بأنه رحمة لأنه من نعم الله تعالى على من تعبد به وروى أبو سعيد الخدري عن النبي ( ﷺ ) أنه قال ( ما أهلك الله تعالى قرناً من القرون بعذاب من السماء ولا من الأرض منذ أنزل التوراة غير أهل القرية التي مسخها قردة )
أما قوله لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ فالمراد لكي يتذكروا قال القاضي وذلك يدل على إرادة التذكر من كل مكلف سواء اختار ذلك أو لم يختره ففيه إبطال مذهب المجبرة الذين يقولون ما أراد التذكر إلا ممن يتذكر فأما من لا يتذكر فقد كره ذلك منه ونص القرآن دافع لهذا القول قلنا أليس أنكم حملتم قوله تعالى وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ ( الأعراف ١٧٩ ) على العاقبة فلم لا يجوز حمله ههنا على العاقبة فإن عاقبة الكل حصول هذا التذكر له وذلك في الآخرة
وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِى ِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَى مُوسَى الاٌّ مْرَ وَمَا كنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِى أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَاكِن رَّحْمَة ً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَة ٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتِّبِعَ ءايَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ


الصفحة التالية
Icon