السؤال الرابع كيف يتصل قوله وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً بهذا الكلام ومن أي وجه يكون استدراكاً له الجواب معنى الآية ولكنا أنشأنا بعد عهد موسى عليه السلام إلى عهدك قروناً كثيرة فتطاول عليهم العمر وهو القرن الذي أنت فيه فاندرست العلوم فوجب إرسالك إليهم فأرسلناك وعرفناك أحوال الأنبياء وأحوال موسى فالحاصل كأنه قال وما كنت شاهداً لموسى وما جرى عليه ولكنا أوحيناه إليك فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة ودل به على المسبب فإذن هذا الاستدراك شبيه الاستدراكين بعده واعلم أن هذا تنبيه على المعجز كأنه قال إن في إخبارك عن هذه الأشياء من غير حضور ولا مشاهدة ولا تعلم من أهله دلالة ظاهرة على نبوتك كما قال أَوَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَة ُ مَا فِى الصُّحُفِ الاْولَى ( طه ١٣٣ )
أما قوله وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِى أَهْلِ مَدْيَنَ فالمعنى ما كنت مقيماً فيه
وأما قوله تَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَاتِنَا ففيه وجهان الأول قال مقاتل يقول لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ أي أرسلناك إلى أهل مكة وأنزلنا عليك هذه الأخبار ولولا ذلك لما علمتها الثاني قال الضحاك يقول إنك يا محمد لم تكن الرسول إلى أهل مدين تتلو عليهم الكتاب وإنما كان غيرك ولكنا كنا مرسلين في كل زمان رسولاً فأرسلنا إلى أهل مدين شعيباً وأرسلناك إلى العرب لتكون خاتم الأنبياء
أما قوله وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا يريد مناداة موسى ليلة المناجاة وتكليمه وَلَاكِن رَّحْمَة ً مّن رَّبِكَ أي علمناك رحمة وقرأ عيسى بن عمر بالرفع أي هي رحمة وذكر المفسرون في قوله إِذْ نَادَيْنَا وجوهاً أخر أحدها إذ نادينا أي قلنا لموسى وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَى ْء إلى قوله أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( الأعراف ١٥٦ ١٥٧ ) وثانيها قال ابن عباس إذ نادينا أمتك في أصلاب آبائهم ( يا أمة محمد أجبتكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني وغفرت لكم قبل أن تستغفروني ) قال وإنما قال الله تعالى ذلك حين اختار موسى عليه السلام سبعين رجلاً لميقات ربه وثالثها قال وهب ( لما ذكر الله لموسى فضل أمة محمد ( ﷺ ) قال رب أرنيهم قال إنك لن تدركهم وإن شئت أسمعتك أصواتهم قال بلى يا رب فقال سبحانه يا أمة محمد فأجابوه من أصلاب آبائهم فأسمعه الله تعالى أصواتهم ثم قال أجبتكم قبل أن تدعوني ) الحديث كما ذكره ابن عباس ورابعها روى سهل بن سعد قال قال رسول الله ( ﷺ ) في قوله وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا قال كتب الله كتاباً قبل أن يخلق الخلق بألفي عام ثم وضعه على العرش ثم نادى ( يا أمة محمد إن رحمتي سبقت غضبي أعطيتكم قبل أن تسألوني وغفرت لكم قبل أن تستغفروني من لقيني منكم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله أدخلته الجنة )
أما قوله لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ فالإنذار هو التخويف بالعقاب على المعصية واعلم أنه تعالى لما بين قصة موسى عليه السلام قال لرسوله وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِى ّ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِى أَهْلِ مَدْيَنَ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ فجمع تعالى بين كل ذلك لأن هذه الأحوال الثلاثة هي الأحوال العظيمة التي اتفقت لموسى عليه السلام إذ المراد بقوله إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الاْمْرَ إنزال التوراة حتى تكامل دينه واستقر شرعه والمراد بقوله وَمَا كُنتَ ثَاوِياً أول أمره والمراد ناديناه وسط أمره وهو ليلة المناجاة ولما بين تعالى أنه عليه السلام لم يكن في هذه الأحوال حاضراً بين تعالى أنه بعثه وعرفه هذه الأحوال رحمة للعالمين


الصفحة التالية
Icon