قوله وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى ( محمد ١٧ ) فقوله إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ محمول على القسم الثاني ولا يجوز حمله على القسم الأول لأنه تعالى لما بين في الآية المتقدمة أن عدم بعثة الرسول جار مجرى العذر لهم فبأن يكون عدم الهداية عذراً لهم أولى ولما بين تعالى نبوة محمد ( ﷺ ) بهذه الدلالة قال وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ وتوصيل القول هو إتيان بيان بعد بيان وهو من وصل البعض بالبعض وهذا القول الموصل يحتمل أن يكون المراد منه إنا أنزلنا القرآن منجماً مفرقاً يتصل بعضه ببعض ليكون ذلك أقرب إلى التذكير والتنبيه فإنهم كل يوم يطلعون على حكمة أخرى وفائدة زائدة فيكونون عند ذلك أقرب إلى التذكر وعلى هذا التقدير يكون هذا جواباً عن قولهم هلا أوتي محمد كتابه دفعة واحدة كما أوتي موسى كتابه كذلك ويحتمل أن يكون المراد وصلنا أخبار الأنبياء بعضها ببعض وأخبار الكفار في كيفية هلاكهم تكثيراً لمواضع الاتعاظ والانزجار ويحتمل أن يكون المراد بينا الدلالة على كون هذا القرآن معجزاً مرة بعد أخرى لعلهم يتذكرون ثم إنه تعالى لما أقام الدلالة على النبوة أكد ذلك بأن قال الَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ أي من قبل القرآن أسلموا بمحمد فمن لا يعرف الكتب أولى بذلك واختلفوا في المراد بقوله الَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وذكروا فيه وجوهاً أحدها قال قتادة إنها نزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة حقة يتمسكون بها فلما بعث الله تعالى محمداً آمنوا به من جملتهم سلمان وعبدالله بن سلام وثانيها قال مقاتل نزلت في أربعين رجلاً من أهل الإنجيل وهم أصحاب السفينة جاؤا من الحبشة مع جعفر وثالثها قال رفاعة بن قرظة نزلت في عشرة أنا أحدهم وقد عرفت أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فكل من حصل في حقه تلك الصفة كان داخلاً في الآية ثم حكى عنهم ما يدل على تأكيد إيمانهم وهو قولهم بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبّنَا إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُوْلَئِكَ فقوله إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبّنَا يدل على التعليل يعني أن كونه حقاً من عند الله يوجب الإيمان به وقوله إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ بيان لقوله بِهِ إِنَّهُ لأنه يحتمل أن يكون إيماناً قريب العهد وبعيده فأخبروا أن إيمانهم به متقادم وذلك لما وجدوه في كتب الأنبياء عليهم السلام المتقدمين من البشارة بمقدمه ثم إنه تعالى لما مدحهم بهذا المدح العظيم قال أُوْلَئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ وذكروا فيه وجوهاً أحدها أنهم يؤتون أجرهم مرتين بإيمانهم بمحمد ( ﷺ ) قبل بعثته وبعد بعثته وهذا هو الأقرب لأنه تعالى لما بين أنهم آمنوا به بعد البعثة وبين أيضاً أنهم كانوا به قبل مؤمنين البعثة ثم أثبت الأجر مرتين وجب أن ينصرف إلى ذلك وثانيها يؤتون الأجر مرتين مرة بإيمانهم بالأنبياء الذي كانوا قبل محمد ( ﷺ ) ومرة أخرى بإيمانهم بمحمد ( ﷺ ) وثالثها قال مقاتل هؤلاء لما آمنوا بمحمد ( ﷺ ) شتمهم المشركون فصفحوا عنهم فلهم أجران أجر على الصف وأجر على الإيمان يروى أنهم لما أسلموا لعنهم أبو جهل فسكتوا عنه قال السدي اليهود عابوا عبد الله بن سلام وشتموه وهو يقول سلام عليكم ثم قال وَيَدْرَءونَ بِالْحَسَنَة ِ السَّيّئَة َ والمعنى ( يدفعون ) بالطاعة المعصية المتقدمة ويحتمل أن يكون المراد دفعوا بالعفو والصفح الأذى ويحتمل أن يكون المراد من الحسنة امتناعهم من المعاصي لأن نفس الامتناع حسنة ويدفع به ما لولاه لكان سيئة ويحتمل التوبة والإنابة والاستقرار عليها ثم قال وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
واعلم أنه تعالى مدحهم أولاً بالإيمان ثم


الصفحة التالية
Icon