أحدها أن التقدير في حقنا يرجع إلى الظن والحسبان أما في حقه سبحانه فلا معنى له إلا العلم به والإخبار عنه وذلك متفق عليه بيننا وبين المعتزلة فلما علم في الشيء الفلاني أنه لا يقع فلو وقع ذلك الشيء لزم انقلاب علمه جهلاً وانقلاب خبره الصدق كذباً وذلك محال والمفضي إلى المحال محال فإذن وقوع ذلك الشيء محال والمحال غير مراد فذلك الشيء غير مراد وإنه مأمور به فثبت أن الأمر والإرادة لا يتلازمان وظهر أن السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه وثانيها أنه عند حصول القدرة والداعية الخالصة إن وجب الفعل كان فعل العبد يوجب فعل الله تعالى وحينئذ يبطل قول المعتزلة وإن لم يجب فإن استغنى عن المرجح فقد وقع الممكن لا عن مرجح وتجويزه يسد باب إثبات الصانع وإن لم يستغن عن المرجح فالكلام يعود في ذلك المرجح ولا ينقطع إلا عند الانتهاء إلى واجب الوجود وثالثها أن فعل العبد لو وقع بقدرته لما وقع إلا الشيء الذي أراد تكوينه وإيجاده لكن الإنسان لا يريد إلا العلم والحق فلا يحصل له إلا الجهل والباطل فلو كان الأمر بقدرته لما كان كذلك فإن قيل إنما كان لأنه اعتقد شبهة أوجبت له ذلك الجهل قلنا إن اعتقد تلك الشبهة لشبهة أخرى لزم التسلسل وهو محال فلا بد من الانتهاء إلى جهل أول ووقع في قلب الإنسان لا بسبب جهل سابق بل الإنسان أحدثه ابتداء من غير موجب وذلك محال لأن الإنسان قط لا يرضى لنفسه بالجهل ولا يحاول تحصيل الجهل لنفسه بل لا يحاول إلا العلم فوجب أن لا يحصل له إلا ما قصده وأراده وحيث لم يكن كذلك علمنا أن الكل بقضاء سار وقدر نافذ وهو المراد من قوله وَخَلَقَ كُلَّ شَى ْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً
وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءْالِهَة ً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لاًّنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَواة ً وَلاَ نُشُوراً
اعلم أنه سبحانه وتعالى لما وصف نفسه بصفات الجلال والعزة والعلو أردف ذلك بتزييف مذهب عبدة الأوثان وبين نقصانها من وجوه أحدها أنها ليست خالقة للأشياء والإله يجب أن يكون قادراً على الخلق والإيجاد وثانيها أنها مخلوقة والمخلوق محتاج والإله يجب أن يكون غنياً وثالثها أنها لا تملك لأنفسها ضراً ولا نفعاً ومن كان كذلك فهو لا يملك لغيره أيضاً نفعاً ومن كان كذلك فلا فائدة في عبادته ورابعها أنها لا تملك موتاً ولا حياة ولا نشوراً أي لا تقدر على الإحياء والإماتة في زمان التكليف وثانياً في زمان المجازاة ومن كان كذلك كيف يسمى إلهاً وكيف يحسن عبادته مع أن حق من يحق له العبادة أن ينعم بهذه النعم المخصوصة وههنا سؤالات
الأول قوله وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَة ً هل يختص بعبدة الأوثان أو يدخل فيه النصارى وعبدة الكواكب وعبدة الملائكة والجواب قال القاضي بعيد أن يدخل فيه النصارى لأنهم لم يتخذوا من دون الله آلهة على الجمع فالأقرب أن المراد به عباد الأصنام ويجوز أن يدخل فيه من عبد الملائكة لأن