فيزدحمون في تلك الأبواب الضيقة قال صاحب ( الكشاف ) الكرب مع الضيق كما أن الروح مع السعة ولذلك وصف الله الجنة بأن عرضها السموات والأرض وجاء في الأحاديث ( إن لكل مؤمن من القصور والجنان كذا وكذا ) ولقد جمع الله على أهل النار أنواع ( البلاء حيث ضم إلى العذاب الشديد الضيق )
المسألة الثالثة قالوا في تفسير قوله تعالى مُّقَرَّنِينَ فِى الاْصْفَادِ إن أهل النار مع ما هم فيه من العذاب الشديد والضيق الشديد يكونون مقرنين في السلاسل قرنت أيديهم إلى أعناقهم وقيل يقرن مع كل كافر شيطانه في سلسلة وفي أرجلهم الأصفاد ثم إنه سبحانه حكى عن أهل النار أنهم حين ما يشاهدون هذا النوع من العقاب الشديد دعوا ثبوراً والثبور الهلاك ودعاؤهم أن يقولوا واثبوراه أي يقولوا يا ثبور هذا حينك وزمانك وروى أنس مرفوعاً ( أول من يكسى حلة من النار إبليس فيضعها على جانبيه ويسحبها من خلفه ذريته وهو يقول يا ثبوراه وينادون يا ثبورهم حتى يردوا النار )
أما قوله لاَّ تَدْعُواْ الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً أي يقال لهم ذلك وهم أحقاء بأن يقال لهم ذلك وإن لم يكن ثم قول ومعنى وَادْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً أنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم منه واحداً إنما هو ثبور كثير إما لأن العذاب أنواع وألوان لكل نوع منها ثبور لشدته وفظاعته أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا غيرها أو لأن ذلك العذاب دائم خالص عن الشوب فلهم في كل وقت من الأوقات التي لا نهاية لها ثبور أو لأنهم ربما يجدون بسبب ذلك القول نوعاً من الخفة فإن المعذب إذا صاحب وبكى وجد بسببه نوعاً من الخفة فيزجرون عن ذلك ويخبرون بأن هذا الثبور سيزداد كل يوم ليزداد حزنهم وغمهم نعوذ بالله منه قال الكلبي نزل هذا كله في حق أبي جهل والكفار الذين ذكروا تلك الشبهات
قُلْ أَذالِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّة ُ الْخُلْدِ الَّتِى وَعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً
في الآية مسائل
المسألة الأولى اعلم أنه تعالى لما وصف حال العقاب المعد للمكذبين بالساعة أتبعه بما يؤكد الحسرة والندامة فقال لرسوله قُلْ أَذالِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّة ُ الْخُلْدِ أن يلتمسوها بالتصديق والطاعة فإن قيل كيف يقال العذاب خير أم جنة الخلد وهل يجوز أن يقول العاقل السكر أحلى أم الصبر قلنا هذا يحسن في معرض التفريع كما إذا أعطى السيد عبده مالاً فتمرد وأبى واستكبر فيضربه ضرباً وجيعاً ويقول على سبيل التوبيخ هذا أطيب أم ذاك
المسألة الثانية احتج أصحابنا بقوله وُعِدَ الْمُتَّقُونَ على أن الثواب غير واجب على الله تعالى لأن من قال السلطان وعد فلاناً أن يعطيه كذا فإنه يحمل ذلك على التفضيل فأما لو كان ذلك الإعطاء واجباً لا يقال إنه وعده به أما المعتزلة فقد احتجوا به أيضاً على مذهبهم قالوا لأنه سبحانه أثبت ذلك الوعد للموصوفين بصفة التقوى وترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية فكذا يدل هذا على أن ذلك الوعد


الصفحة التالية
Icon